من سوريا وتحرك فرنسا تجاه لبنان، واعتراف ولي العهد السعودي بحق «إسرائيل في الوجود»، دخلت منطقة الشرق الأوسط في نفس الأسبوع منعرجا جديدا يوزع الأوراق الإستراتيجية و مواقع النفوذ في المنطقة. و بالرغم من عدم توصل أردوغان و بوتين و روحاني لحل للأزمة السورية فإن الثلاثي لا يزال يراهن على فوز نهائي في غياب الدول الغربية.
بعد قمة سوتشي التي احتضنتها روسيا، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة فلاديمير بوتين و حسن روحاني في قمة ثانية خصصت أساسا للأزمة السورية ولمسار أستنا الذي يحاول التوصل إلى حل سياسي نهائي للأزمة السورية بدون مشاركة الدول الغربية. في هذا المسار لكل طرف أجندته الخاصة . فلاديمير بوتين يريد الحفاظ على المكتسبات
العسكرية والإستراتيجية التي تمنحه وجودا عسكريا في البحر الأبيض المتوسط بالتحالف مع النظام السوري. في حين يسهر روحاني على منع أي تغيير في المحور الإيراني السوري اللبناني عبر مساهمة حزب الله في استقرار الأوضاع لصالحهم. أما رجب طيب أردوغان فهمه الأول هو بسط سلطته على الشريط الحدودي مع سوريا لمنع قيام أي سلطة كردية ذاتية.
في هذا الإطار ، قمة أنقرة، التي دامت ساعة وعشرين دقيقة في حين كان من المفروض أن تدوم أربع ساعات، أعلنت في بيان ختامي مشترك أنه تم الإتفاق على «القضاء التام على مجموعات تنظيم داعش و جبهة النصرة و المجموعات الإرهابية الأخرى، على أن يتم الفصل بينها و بين المجموعات السورية المعارضة». و ذكر البيان أنه «لا يوجد حل عسكري للأزمة» في سوريا و أن الأطراف الثلاثة اتفقت على «مواصلة التعاون قصد التوصل إلى حل سياسي». وهو ما يشير إلى عمق الخلافات، بالرغم من الإقرار بعدم دخول الثلاثي في حرب مفتوحة لفرض حل أحادي الجانب.
مناورات تركية
صرح رجب طيب أردوغان في الندوة الصحفية التي تلت القمة أن تركيا مصرة على مقاومة الوجود الكردي شمال سوريا و أنها عازمة على الوصول إلى منطقة المنبج. واقترح على الرئيس السوري المشاركة في بناء وحدات سكنية وعمارات على الشريط الحدودي مع سوريا من أجل ترحيل 5،3 مليون لاجئ سوري يقيمون حاليا في تركيا. وهو ما يمنح تركيا نفوذا فعليا في المنطقة. لكن بوتين لم يقبل بالمقترح.
في نفس الوقت أكد الرئيس التركي ضم مدينة إدلب على منطقة النفوذ التركي وهي مركز تجميع المقاتلين الذين ترعاهم أنقرة التي تخضع لقصف سوري روسي. كان أردوغان قد تقدم بنفس المقترح في اجتماع سوتشي بدون جدوى. لكن تركيا أصبحت فاعلا عسكريا على الأرض بعد تدخلها ضد أكراد سوريا. وهو ما يغير التوازنات و يسمح لتركيا ، العضو الأهم في الحلف الأطلسي بالمنطقة من الحصول على دعم أمريكي بدون عناء.
تطبيع داخلي لسياسة دونالد ترامب
في نفس يوم القمة الثلاثية في أنقرة أعلن البيت الأبيض عن قراره سحب قواته العسكرية (2000 جندي) المتمركزة في سوريا لمعاضدة الأكراد أساسا. وهو السيناريو الذي أسسه البنتاغون في عهد باراك أوباما و الذي أوشك ترامب أن يتخلى عنه. لكن المصالح الإستراتيجية الأمريكية ،التي يفرضها أساسا البنتاغون، جعلت دونالد ترامب يطبع علاقته مع الجيش الأمريكي الذي يحرص على تكثيف تواجده في القارة الأسيوية والتي عمل عليها منذ ولاية جورج بوش.
انسحاب أمريكا يساعد تركيا، الحليف الأطلسي الأول في المنطقة، على المضي في مشروعها التوسعي بالاعتماد على الجماعات المسلحة التي تحتضنها و التي تشكل قوة ميدانية لا يستهان بها. وهو ما يعطي تركيا ورقات ضغط إضافية في إطار خارطة الطريق الثلاثية التي تهدف بالأساس إلى اقتسام النفوذ في المنطقة. يبقى أن تعاظم الدور الشيعي في الشرق الأوسط سوف يقابله إعادة خلط العلاقات الإستراتيجية للدول السنية الخاسر الأساسي في الأزمة السورية.
يأتي هنا تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يوم 2 أفريل لصحيفة « ذي أطلنتيك» حول موقفه من إسرائيل و الذي قال فيه: « اعتقد أن كل شعب، في أي مكان، له الحق في العيش بسلام» مضيفا «لكننا بحاجة لاتفاق سلام يضمن الاستقرار للجميع من أجل علاقات عادية». هذا الموقف السعودي الجديد يفتح نافذة جديدة لتقلبات أخرى في الأسابيع و الأشهر القادمة يمكن أن تفسد مشاريع ثلاثي أنقرة في الاستفراد بالمنطقة.