في ظل ردود الفعل الاقليمية والدوليّة المتباينة التي خلفتها العملية العسكرية التركية في عفرين . وتطرح العمليّة العسكرية التي تشنّها أنقرة في الشمال السوري – وهي الثانية بعد عملية درع الفرات لاستعادة مدينة جرابلس- تطرح تساؤلات ملحة حول ابعاد وتاثيرات هذه الخطوة على المشهد الاقليمي والدولي على حد سواء نظرا لما يشهده الميدان السوري من تداخل للادوار الخارجية الروسية الامريكية الايرانية والتركية وأدواتها بالإضافة الى الدور الذي تلعبه التنظيمات المسلحة ذات الانتماءات المختلفة .
وأعلنت تركيا في 20 جانفي الجاري بدء عملية عسكرية اطلقت عليها تسمية ‘’غصن الزيتون’’ في مدينة عفرين الحدودية مع سوريا وتحديدا الشمال السوري اين تخضع هذه المدينة الخاضعة لسيطرة الأكراد. ولم تكن الخطوة التي اقدمت عليها انقرة مفاجئة خاصة وانها هددت مرارا وتكرارا باجتياح عفرين منذ بداية 2017 . وخلفت عملية ‘’غصن الزيتون’’ ردود فعل متضاربة بعد ان عللت انقرة تدخلها بالسعي إلى الحفاظ على أمنها القومي من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي والتي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية العماد الأساسي لها. يشار الى ان تركيا تصنف هذه الوحدات جماعة ‘’ارهابية ‘’ وتربط بينها وبين حزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا .
من جانبها اعربت الخارجية الأمريكية عن «قلقها» إزاء حملة الجيش التركي في شمال سوريا، وحثت جميع الأطراف على ضبط النفس في النزاع. فيما عبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بدورها عن «قلقها الشديد» إزاء العملية العسكرية التركية ضد الأكراد في شمال سوريا.في حين أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده نسقت عملية عفرين مع روسيا وإيران.
أبعاد «غصن الزيتون»
وعن أبعاد هذه العملية قال الكاتب والمحلل السياسي سومر سلطان في تصريح لـ’’المغرب» أنّه ‘’من الناحية الداخلية، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحاجة للحرب. هذه الحاجة لا ترتوي لأن طبيعة حكمه الهشة تتطلب دوماً هذه الصراعات الدموية. ولنلاحظ خاصة أن حزب العدالة والتنمية بدأ يتجه يميناً في مواقفه السياسية، حتى بات يزايد القوى الفاشية في العنصرية والتمييز العرقي. وهو حالياً بحاجة إلى تجييش المجتمع وراء سياساته كي يدخل الاستحقاقات الانتخابية القادمة بقوة، وخاصة أنه يطمح لاستكمال العبور إلى النظام الرئاسي الكامل في 2019، وتحويل أردوغان إلى مستبد مدى الحياة’’.
وأضاف محدّثنا انه من الناحية الميدانية تم اختيار عفرين بالذات بهدف التمكن من ربط المنطقتين التين تحكمهما تركيا داخل الأراضي السورية عبر معبر يمر من عفرين، وهاتان المنطقتان هما: منطقة «درع الفرات» شرقاً، بين مدينتي جرابلس واعزاز، والمنطقة الثانية هي مدينة إدلب التي تحكمها تركيا بطريقة غير مباشرة عبر الميليشيات السلفية المتحالفة معها.
مآلات المعركة
وحول مآل المعركة، استبعد الكاتب السوري أن يتمكّن الجيش التركي من تحقيق أرجحية عسكرية كبيرة، وتتسم بالديمومة. مشيرا الى انه حتى الآن لا يبدو أنه سيتمكن من اجتياز خط بعرض 5 إلى 10 كم على طول الحدود، يكون هو المعبر.
وتابع سلطان «وبالطبع لا تريد أنقرة، على عكس تصريحاتها الإعلامية، أن يتم القضاء المبرم على وحدات الحماية الشعبية الكردية YPG، لأنها تعلم علم اليقين أن ما سيتبع هذا هو قدوم الجيش العربي السوري المسنود من قبل موسكو وطهران كي يصل الحدود، ويقطع المعبر» وفق تعبيره.
وعن امكانية ان يخلق هذا التدخل التركي صداما مع الجانبين الروسي او الامريكي اجاب محدثنا ‘’بالطبع نتوقع شيئاً كهذا، كون العملية التركية ستؤدي إلى اشتداد ساعد القوى المحسوبة على واشنطن على حساب التفاهمات التي عقدتها موسكو مع القوى المحلية هناك. ومن هنا نستطيع أن نتوقع خطوات روسية تعيد التوازن لصالح دمشق وحلفائها. معلوماتي الخاصة تقول أن وحدات YPG قبلت بتسليم مطار منغ العسكري للجيش السوري، ولكن لا يبدو أن هذا ثمن كافٍ. على الأرض الشعب العفريني بأغلبيته قابل بالعودة إلى حضن الحكومة المركزية، بل ويعتبر هذا إنهاءً لمعاناته. من يكسب المزاج الشعبي لصالحه سيفوز في النهاية’’.
وحول المشهد المقبل في ظل هذه التطورات الميدانية قال سلطان انه من الناحية العددية لدى الجيش التركي والميليشيات التابعة له في سوريا، أرجحية واضحة من حيث السلاح والعتاد، ومن حيث سلاح الطيران الموجود لدى أنقرة. ولكن هناك عاملان هامان لصالح الوحدات الكردية، اولا هي تقاتل على أرضها، ضد قوة آتية من وراء الحدود. وهذا يزيدها بأساً وديناميكية. مضيفا إذا تمكنت القوات المدافعة عن عفرين من استدراج المهاجمين إلى المدن والأحياء الضيقة، لا نتوقع نهاية قريبة لهذه الحرب، بل ستتحول إلى بؤرة مستمرة من الخسائر البشرية من الطرفين دون وجود أفق منظور للحل.
شخصياً أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتدخل لإبقاء الخلاف الناشب بين حليفيها تحت سيطرتها، وكي لا يستفيد منه الجيش السوري الذي يرابط في مناطق قريبة مترقباً. وعلى الأغلب ستجبر إدارة ترامب الخصمين على الدخول في اتفاقية تظهر كلاً من طرفي الحرب بطلاً ومنتصراً أمام شعبه.