على الصعيد المحلي الليبي . ولئن يعد التواجد الايطالي في ليبيا قديما، إلاّ ان الخطوة الاخيرة زادت من حدّة الجدل القائم حول حقيقة الدور الذي تلعبه حكومة باولو جينتلوني في ليبيا التي تعيش منذ سنوات طويلة تحت وطأة الفوضى السياسية والأمنية ووسط سطوة ميليشيات مسلحة.
ووافق البرلمان الإيطالي امس الاول على زيادة الوجود العسكري في ليبيا ونشر ما يصل إلى 470 جنديا في النيجر لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر إلى أوروبا.ولئن رفضت ايطاليا في وقت سابق الاعتراف بوجود قوات عسكرية تابعة لها على الاراضي الليبية فقد جاء قرارها الاخير ليؤكد الدور الميداني الذي تلعبه روما في بلاد عمر المختار، وهو دور يرافقه جدل وانقسام محلي ليبي واسع النطاق . اذ أكّد مجلس النواب أمس (طبرق) رفضه قرار البرلمان الايطالي مطالبا السلطات بالتوقف عن انتهاك السيادة الليبية . فيما تواجه حكومة الوفاق الليبية اتهامات بالتواطؤ مع الجانب الايطالي لتوسيع نفوذه في ليبيا مقابل الحصول على دعم اكبر على الصعيد السياسي الدولي .
ويرى متابعون للشأن الافريقي ان هذا التوجه الايطالي لدعم الوجود العسكري في منطقة شمال افريقيا يأتي تزامنا مع خطة ايطالية لمكافحة الهجرة غير الشرعية ومنع وصول المهاجرين الى سواحلها عبر البوابة الليبية ، اذ سجلت ايطاليا وصول اكثر من 600 الف مهاجر غير شرعي قادمين من ليبيا ويحملون مختلف الجنسيات نظرا للمشهد الامني غير المستقر في طرابلس وأيضا سطوة الميليشيات المسلّحة وميليشيات تهريب البشر .ونشرت وسائل اعلام ايطالية انه من المتوقع أن يعمل نحو 400 جندي في ليبيا بعد ان كان عددهم 370 جنديا بالإضافة إلى الوحدات الجوية والبحرية التي تعمل بالفعل بالقرب من الساحل الليبي والتي تضم 130 وحدة برية، كما قالت تقارير اعلامية دولية ان إيطاليا سترسل باعتبارها عضوا في حلف شمال الأطلسي - الناتو- 60 جنديا إلى تونس لدعم السيطرة على الحدود ومكافحة الإرهاب.
فرغم الجهود الدولية لحلحلة الازمة فشلت أطراف الصراع الليبي في الاحتكام الى اتفاق موحد ينهي سنوات من الاقتتال السياسي والعسكري ،وهو ما زاد من تداخل الادوار الخارجية في شؤون البلاد وصل حد طرح فرضية التدخل العسكري الاجنبي في اكثر من مناسبة نتيجة الفوضى السياسية وتنامي التهديد الارهابي على الاراضي الليبية . ويربط متابعون للشأن الليبي التدهور الامني والاقتتال العنيف الذي تعيش على وقعه ليبيا وخاصة في الفترة الاخيرة والذي احتدم مؤخرا بسعي المجتمع الدولي الى البحث عن حل ينهي هذا الصراع ويعيد المشهد السياسي الى مرحلة من الاستقرار تتم على اساسه اعادة بناء الدولة الديمقراطية .
ورغم نفي الدول الاوروبية الفاعلة في الميدان الليبي ونقصد امريكا وايطاليا وفرنسا وبريطانيا وروسيا ايضا ، نيتها التدخل العسكري في ليبيا ، ظهرت في الواجهة هذه الخطوة الايطالية والتي زادت من حدّة الانتقادات المحلية لحكومة الوفاق وللحكومة الايطالية على حد سواء .
في ابعاد القرار الايطالي
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي الليبي عيسى عبد القيوم لـ «المغرب» انه قبل ايام أكدت رئيسة البرلمان الايطالي لاورا بولدريني - بحسب وكالة آكي الايطالية للأنباء - إن الاتفاق مع ليبيا بشأن المهاجرين كان خطأ. وأضاف عبد القيوم ان هذا ما ستكشف عنه الايام القادمة بخصوص ملف تدخل ايطاليا العسكري فى ليبيا ، معتبرا قرارها الاخير بزيادة القوة القتالية في ليبيا وإن جاء فى سياق دعم جهود السلام العالمي إلا أنه يبقى ضمن دائرة الاستفهام كونه يتركز فقط في مدينة واحدة ليس بها اي اضطرابات او صدامات وهي مصراتة ويغيب مثلا عن الجنوب الذي يعجّ بالدواعش .
وتابع محدّثنا إنّ ايطاليا تعلم ان قراراتها تمّ توقيعها بشكل ثنائي مع مدينة وليس مع الدولة الليبية وهو ما سيجعل كل هذه الاتفاقات عرضة للإلغاء قريبا .وعن الطّموحات الايطاليّة في ليبيا أجاب الكاتب الليبي ان ‘’ايطاليا في قفزها وتوقيعها مع «مدينة» وليس الدولة .. ومع ممثل تلك المدينة فى المجلس الرئاسي الذي تعرف أنه لم ينل الشرعية .. وان مدته قد انتهت وفق الاتفاق السّياسي في 17 - 12 - 2017 .. هي تحاول كسب مساحة وجود اقتصادي مبكر وضمان استمرار شركتها النفطية .. وهو ما كشفت عنه بعض الاتفاقات الموقعة .. وكذلك هي تسعى لحجز الهجرة غير الشرعية داخل الاراضي الليبية كي تتخلص من الاعباء القانونية التي يرتبها وصولهم الى شواطئ ايطاليا .. ووجدت في المليشيات شريكا غير مكلف للقيام بهذه المهمة مقابل حمايتها لمن يحمي ويشرعن تلك المليشيات’’.
موقف حكومة الوفاق
وعن موقف حكومة الوفاق قال محدثنا انّ «حكومة الوفاق غير الدستورية هي من يشرعن عبر عضوها احمد معيتيق للوجود الايطالي العسكري ، وهي من ورط ليبيا فى اتفاقية الهجرة الكارثية التي اعترفت رئيسة البرلمان أنها كانت خطأ .. حكومة الوفاق باتت طرفا فى الصراع وشرعت فى البحث عن حلفاء من الخارج لحمايتها مقابل الوعود الاقتصادية ويبدو ان اقرب المستجيبين كانت ايطاليا».
وحول دخول ليبيا في حرب تجاذبات خارجية خاصة في ظل النفوذ الايطالي المتزايد والدور الروسي والبريطاني والأمريكي ، قال الكاتب الليبي ان ليبيا تعيش اسوء احوالها مشيرا الى ان التدخل لم يعد امريكي روسي كما كان بل وصلنا الى مستوى تدخل مباشر لدول مثل قطر وتركيا والسودان وتشاد وفق تعبيره.
وتابع عبد القيوم’’ ولسبب هو صراع السلطة المحتدم على حساب الوطن للأسف .. وتلك الدولة تبحث عن مصالحها وبكل تأكيد لن تجد واقعا تمرره عبرها افضل من الواقع الليبي المتشظي ، وما لم تنته الاجسام الموجود حاليا والفاسدة سياسيا ومالياً والمفتقرة للعمق المعرفي والخبرة السياسية فإن ليل ليبيا سيطول’’ .