أكّد الباحث والاكاديمي اللبناني محمد محمود مرتضى في حوار لـ«المغرب» انّ مبادرة الوساطة الفرنسيّة لم تكن لتنجح لولا ضغط الدولة اللبنانية وتهديدها بتدويل القضيّة وإيصالها الى مجلس الأمن الدولي . واشار الكاتب اللبناني الى ان امكانية تراجع رئيس الحكومة عن الاستقالة سيؤكد مقولة انّ الحريري كان مكرها عليها بضغط سعودي.
واعتبر محمد محمود مرتضى ان الخيارات العسكرية للمملكة العربية السعودية ضد لبنان وحزب الله تكاد تكون منعدمة .
• اولا لو تقدمون لنا قراءتكم للتطوّرات التي شهدها لبنان في الاونة الاخيرة بعد اعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته؟
لا شك ان ما شهدته الساحة اللبنانية من تطورات ترتبط باستقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري يمثل قفزة كبيرة في التصعيد بعد حالة من «الستاتيكو» رسا عليها المشهد السياسي منذ مدة ،وتحديدا منذ التسوية التي تمت بين أركان الحكم والتي أفضت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وأتت بالشيخ سعد الحريري من جديد رئيسا للحكومة.
ورغم أن الاسباب التي ذكرها الحريري مبررا بها استقالته ترتبط بحزب لبناني، اعني حزب الله، الا ان كل المؤشرات كشفت انها اسباب اقليمية ترتبط بأوضاع المملكة العربية السعودية ومغامراتها في المنطقة. ان عودة الحريري الى لبنان بعد زيارته لفرنسا التي قام بها، ليس من المتوقع أن تقفل ملف هذا التصعيد وانما أن تدفع به الى انفاق أخرى بعد فشل «دعوى» الاستقالة التي قرأها من الرياض باعتبارها خطوة غير دستورية. اذ ان فحوى الدستور عندما تحدث عن حل الحكومة باستقالة رئيسها، انما كان يتحدث عن استقالة طوعية لا اكراهية. اذ لم تُثبت الادلة «طوعية» الرئيس الحريري في استقالته وهذا ما يحتاج الى اثبات. ومن هنا كان موقف كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
• كيف يمكن تفسير استقالة الحريري من الرّياض ؟ أي دور تلعبه السّعودية في المشهد اللّبناني وما الذي تصبو إليه ؟
تمثل الاستقالة في شكلها ومضمونها اشكالية دستورية وسياسية. أما الشكل، فكما ذكرنا، فانّ الدستور يتحدّث عن استقالة طوعية، وهذا غير متوفر في استقالة الحريري. اذ انها اولا جاءت من خارج لبنان، وثانيا لم تثبت طوعيتها بل على العكس فان كل المؤشّرات تقول ان الحريري قرأ بيانا لم يكتبه بنفسه، كما ان الدستور ينص على ضرورة ان يقدم رئيس الحكومة استقالته اما من خلال نص مكتوب، او من خلال استقالة شفهية بعد زيارته لرئيس الجمهورية. اما في المضمون فان ما احتوته الاستقالة من مفردات واسباب لم نعهدها تصدر من الرئيس الحريري حتى في اكثر حالات التشنج السياسي، اضافة الى انها تتعارض مع فحوى الاتصالات التي اجراها الرئيس الحريري قبل مغادرته بيروت متوجها الى الرياض حيث اكدت كل المؤشرات ان الحريري كان قد حدد بعض المواعيد لاجتماعات سيجريها مع شخصيات بعد عودته من السعودية. كل ذلك يضفي على الاستقالة التباسات شكلا ومضمونا مما يضع الاستقالة في اطار غير دستوري.
• هل ستنجح الوساطة الفرنسيّة في توضيح ملابسات استقالة الحريري؟
تمثل الوساطة مخرجا للالتباس الحاصل المتعلق بمدى حرية الحريري وانه غير خاضع للاحتجاز او الاقامة الجبرية، الا انه لا بد من الاشارة ان فعالية هذه المبادرة لم تكن لترى النور لولا الضغوطات التي مارستها الدولة اللبنانية عن طريق رئيس الجمهورية وخصوصا فيما يتعلق بالتهديد بايصال القضية الى مجلس الامن. لقد كانت هذه الضغوط بمثابة السلاح الفعال الذي استفادت منه فرنسا «لإقناع» المملكة بضرورة الافراج عن رئيس الحكومة بعنوان «الزيارة الى فرنسا». يبقى هل ان الحريري سيأتي الى لبنان لتأكيد الاستقالة بطرق عبر صفقة تمت مع الفرنسيين؟ نعم لعل هذا هو الارجح.
• وهل تتوقّعون تطورات اخرى في حال عودة الحريري الى لبنان ؟
من المرجح ان يأتي الحريري الى لبنان ويقدم استقالته وفق الاليات الدستورية ثم يغادر. اذ أن كل المعطيات تشير الى ان المملكة لم تعد تثق بالحريري ومقدرته على تنفيذ رغبات المملكة التي يبدو انها تصعيدية. وهذا لا يعني بالضرورة ان رئيس الحكومة المقبلة سيكون تصعيديا، اذ ينبغي ان نتذكر ان ثمة انتخابات برلمانية في شهر ماي المقبل، وعليه فان الحكومة المقبلة ستكون حكومة تنظم الانتخابات ولن يكون لها عمل اكثر من ذلك، الا اذا قررت المملكة ان يتراجع الحريري عن الاستقالة وان لا يقدم على تفاهمات سياسية لا سيما مع حزب الله وتأجيل حسم ملف رئيس الحكومة المقبل الى ما بعد الاستقالة، لكن هذا السيناريو يبدو ضعيفا، لان تراجع رئيس الحكومة عن الاستقالة سيؤكد مقولة ان الحريري كان مكرها عليها.
• هذا الصدام اللبناني السعودي سببه حزب الله و ايران ، لو تقدمون لنا المخاوف التي تعتري البلاط السعودي من دور حزب الله وايران في ملفات المنطقة العربية ومن بينها العراق سوريا اليمن وفي لبنان ايضا ؟
في الواقع التساؤل يجب ان يكون هكذا في حال اعتبرنا ان عبارة «سببه حزب الله» يُقصد بها المبررات التي قدمها الحريري. وعلى اي حال لا بد من تحديد بعض النقاط:
1 - ان حزب الله حزب لبناني، يتمتع بشعبية كبيرة وله علاقات قوية ومتينة مع اطراف مسلمة ومسيحية فاعلة، وهو ممثل في الحكومة والبرلمان.
2 - ان حزب الله مثل العمود الفقري للمقاومة التي طردت الاحتلال الاسرائيلي من لبنان.
3 - انه لا يحق لأي دولة ان تفرض على لبنان على أو على فريق فيه كيفية التعامل مع فريق آخر وهذا يتعارض مع مبدإ عدم التدخل في شؤون الدول ويتعارض مع مبدإ السيادة.
وعليه، فان الحجج التي تسوقها المملكة ضد حزب الله هي حجج واهية تسعى المملكة من خلالها لرمي فشلها في احتلال اليمن على الاخرين والتعمية على حجم المجازر التي ترتكبها ضد الشعب اليمني. ومن هنا نقول: ان تدخل حزب الله في سوريا انما تم بالتوافق وبطلب من الحكومة السورية وانه جاء ضمن استراتيجية الحرب الاستباقية التي تهدد أمن لبنان بعد التهديدات التي اطلقتها الجماعات الارهابية ضد لبنان وضد شريحة كبيرة منه. وقد اعترف وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل في تصريحه الاخير من موسكو ان حزب الله انما ذهب الى سوريا بعد عجز لبنان والجيش اللبناني عن مواجهة خطر الارهاب القادم من الشرق.
اما في العراق فان حزب الله لا يقاتل هناك، وانما ارسل بعض القيادات التي تملك خبرات عسكرية كمستشارين وذلك بطلب من الحكومة العراقية. واذا كانت المملكة بالفعل تعتقد ان تنظيم داعش هو تنظيم ارهابي فلماذا تشعر بالاستياء بهزم مشروعه. فان الايمان بارهابية داعش، كما تزعم المملكة، يقتضي تقديم الشكر للحزب على دعمه للعراق لا «اطلاق النار» عليه بسبب هذه «التهمة». اما في اليمن فان الحزب نفى تقديم اي دعم خلا الدعم السياسي والاعلامي في اظهار مظلومية اليمن وشعبه امام «الاجرام» السعودي في حصار شعب باكمله ما يهدد اليمن بمجاعة واوبئة ستخلق مئات الاف الضحايا كما صرحت بذلك المنظمات الدولية. من هنا فاننا لا يمكن أن نفهم الحراك السعودي الا في اطار المغامرة التي تقودها المملكة بقيادة
امير شاب لا يملك الخبرات الكافية في ادارة البلاد ويريد التغطية على التخبط الحاصل في مغامراته الخارجية الفاشلة، والتغطية الحاصلة داخليا على عملية «السطو» على السلطة بعد اقصاء المنافسين داخل العائلة الحاكمة في السعودية. دون ان ننسى الحراك الذي يجري على جبهة الصراع العربي الفلسطيني. وهو حراك يشير الى نية المملكة «الاجهاز» على القضية الفلسطينية وفق المطالب الاسرائيلية عن طريق الضغط على السلطة للقبول بتسوية تنهي ملف القدس من جهة وملف الفلسطينيين خارج فلسطين عن طريق مشروع توطينهم في بلاد تواجدهم.
• يرى متابعون ان الرياض تسعى لشن حرب في لبنان إلاّ ان اراء اخرى تقول ان اندلاع حرب في لبنان امر بعيد المنال باعتبار ان حزب الله هو مكون رئيس في المشهد السياسي اللبناني ، برأيكم هل سنشهد حربا في المناطق الخارجية التي يسجل فيها حزب الله وايران حضورا عسكريا ؟
ينبغي تثبيت نقطة اساسية في موضوع احتمال «الخيار العسكري» وهو ان المملكة تسعى من خلال الضغط على حزب الله لقيام ايران بالضغط على اليمن من اجل الاستسلام للشروط السعودية وهذا يعني ان المملكة تعاني من فشل ذريع في حربها على اليمن فهل يعقل ان تذهب الى حرب لا تمتلك مقومات الفوز بها؟ من الواضح ان الخيارات العسكرية للمملكة ضد لبنان وحزب الله تكاد تكون شبه منعدمة اذا تحدثنا عن حرب مباشرة ومن هنا فان كل المؤشرات تشير الى ان الخيار العسكري السعودي انما طرح بشرط ان تقوده ‹›اسرائيل››. وعليه فان احتمالات الحرب انما ان تدرس في مدى قدرة ‹›اسرائيل›› على القيام بها. من المعلوم ان الاسرائيلي لن يقدم على حرب من اجل الاخرين، وان اي حرب ان لم تكن له مصلحة فيها اولا واخيرا فلن يقدم عليها. ومن المعلوم ايضا ان للإسرائيلي مصلحة في ضرب حزب الله وان القضية معه هي قضية «قدرة» لا قضية مصلحة. بمعنى اخر ان الحرب مع حزب الله لن يذهب اليها الاسرائيلي الى اذا كانت تمثل مصلحة خالصة له والا اذا ضمن انها ستكون حاسمة وسريعة. وهذان الشرطان: الحسم والسرعة، غير متوافرين الى اليوم في اي مغامرة عسكرية اسرائيلية.
بل على العكس، فان قدرات حزب الله التي راكمها خلال السنوات الماضية، تشير الى امكانية هزيمة اسرائيل هزيمة مدوية. واذا اضفنا الى ذلك معادلات الردع المرتبطة «بساحة» أي حرب مقبلة، والتي قال عنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بانها لن تقتصر على لبنان، مع التصريحات السورية وتصريحات قادة فصائل عراقية، فهذا يعني ان الحرب، ان وقعت فستكون اقليمية، وستكون حربا لم تشهدها اسرائيل منذ زرعها في قلب العالم العربي. كل هذا يشير الى استبعاد الحرب العسكرية، وان المملكة السعودية تستعمل التهويل العسكري كحرب نفسية لا اكثر وان الخيارات المتاحة هي الضغوط الاقتصادية والسياسية والإعلامية.