وذلك عقب انسحاب جماعي لمسلحي تنظيم «داعش» الارهابي . وتعدّ معركة البوكمال من اهم المعارك التي يضعها الفاعلون في الميدان السّوري على سلم أولوياتهم في سوريا خاصة وأنّ هذه المدينة الصغيرة تعدّ -بالإضافة الى اهميتها الإستراتيجية- اخر معاقل تنظيم «داعش» الارهابي في سوريا بعد دحره في دير الزور والرقة.
وقالت تقارير اعلامية ان قوات إيرانية من الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني كلها تشارك في العملية الى جانب قوات النظام والقوات الجوية الروسية.وتعد «البوكمال» التي تعتبرها كل القوى الفاعلة في المعادلة السورية نقطة فاصلة في الحرب السورية ، باعتبار ان هذه المدينة الصغيرة باتت المعقل الاخير لتنظيم «داعش» الارهابي في سوريا بعد طرده من دير الزور والرقة . ويراهن المجتمع الدولي على هذه المعركة التي تشهد استقطابا حاد من جهات مختلفة اولا النظام السوري وإيران وروسيا ومن جهة ثانية الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية ومن جهة اخرى القوات العراقية والحشد الشعبي .
و«البوكمال» هي مدينة تابعة لمحافظة دير الزور تحمل اهمية استراتيجية هامة باعتبارها تقع شرق سوريا على الحدود الرابطة بين سوريا والعراق ، حيث يمر نهر الفرات شمال ‘’البوكمال’’، ولا تبعد المدينة عن الحدود السورية العراقية سوى ثمانية كيلومترات. يشار الى انّ المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا غنية بالنفط وتحتوي بوابة الحدود السورية والعراقية «البوكمال» على أحد أهم الحقول النفطية، هو حقل «التنك»، فهي منطقة غنية بآبار النفط والغاز وتلعب دورا أساسيا في تنمية الاقتصاد السوري.
ويؤكّد متابعون أنّ المدينة تُثير مطامع خارجيّة كبيرة سواء من الجانب العراقي وأدواته وداخليّا النّظام السّوري وحلفائه وأيضا الولايات المتّحدة وحليفتها قوّات سوريا الدّيمقراطية ، فالأوّل يسعى للسّيطرة على البوكمال بهدف إعادة ضخ النفط العراقي وتصديره عبر الموانئ السورية، فيما تحاول أمريكا استغلال هذه الورقة للحصول على مكاسب تفاوضية خلال عملية التسوية السياسية في سوريا وضرب الدور الرّوسي الإيراني .
أبعاد معركة «البوكمال»
في السياق قال سومر صالح نائب مدير المركز الدولي للدراسات الجيوسياسية لـ»المغرب» انّ بداية معركة البوكمال هي معركة إقليمية ودولية مشتبكة المحاور وليست مجرد معركة جغرافية محدودة ضد التنظيم الإرهابي «داعش’’، مضيفا ان البوكمال هي أحد المعبرين الأهم بين سوريا والعراق، وبالتالي بعد سيطرة الجيش السوري والحشد الشعبي على جهتي المعبر بات الطريق مفتوحا برا بين طهران وبيروت مرورا بدمشق وبغداد، وهذا يؤمن غطاء وعمقا جيواستراتيجيا لـ«حزب الله» في لبنان، الأمر الذي يقلق العدو الإسرائيلي من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.
واشار محدّثنا الى «وجود ضغط اقليم كبير لعرقلة المعركة سواء من بعض دول الخليج التي دفعت بالحكومة اللبنانية الى الاستقالة للضغط على «حزب الله» في لبنان للابتعاد عن هذه المعركة بطلب سعودي، ومحاولة من قوات (قسد) الكردية التي حاولت الوصول الى البوكمال قبل الجيش السوري نزولا عند رغبة واشنطن، ولكن على مايبدو أن لقاء الرئيسين بوتين وروحاني قد حسم المعركة في 1 نوفمبر الجاري لجهة الوقوف ضد كل المحاولات الدولية والإقليمية لمنع وصول الجيش السوري والقوات الرديفة الى البوكمال فرأينا اشتراكا فعالا للقوات الجو فضائية الروسية وصواريخ كروز كاليبر البحرية الروسية في معركة البوكمال».
وبخصوص الانباء حول انسحاب مقاتلي ‘داعش’ قال محدّثنا ان ما يخص قضية الانسحاب الداعشي يرجع الى انهيار التنظيم كيانيا وتنظيميا بعد معركتي دير الزور والموصل العراقية ،وما بقي من تجمعات داعشية هي بقايا التنظيم من الصفوف الأخيرة من المقاتلين بعد هروب أغلب القيادات الداعشية الى جهات متعددة .
مابعد معركة «البوكمال»
وبخصوص اهميّة استعادة السيطرة على البوكمال اجاب محدّثنا انه يمكن تلخيص الأهمية الاستراتيجية لتحرير البوكمال بست نقاط أساسية النقطة الأولى هي انهاء آخر المعاقل الداعشية في سوريا وبالتالي سقوط «دولة الخرافة الداعشية» في سوريا نهائيا.
واضاف ان النقطة الثانية هي حسم معركة الحدود والمعابر لصالح محور طهران دمشق سواء شمال التنف او البوكمال ،وبالتالي سقطت مشاريع المناطق العازلة بين سوريا والعراق وفق تعبيره.
وتابع اما «النقطة الثالثة فقد تم الربط الاستراتيجي بين طهران ودمشق برا.. وبين بغداد ودمشق بما يعني عودة الحياة الاقتصادية وتحسن الواقع الاقتصادي إضافة الى العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة في أي معركة مع العدو الصهيوني وجميعنا يسمع طبول تلك الحرب التي باتت قريبة على ما يبدو. والنقطة الرابعة هي انهاء المشروع الأمريكي بربط «جيب التنف» المحتل امريكيا بميليشيات «قسد» شرق النهر».
وحول النقطة الخامسة والسادسة قال الكاتب والمحلل السياسي السوري ان هدفها اجهاض مفاعيل استقالة الحريري التي كانت بمثابة مقدمة لتوتير أجواء المنطقة نهائيا وبضربة استباقية محسوبة النتائج بين طهران وروسيا وسوريا، مشيرا الى انّ هذه الانتصارات على «داعش» حسمت القراءة السورية للقرار (2254) والتي ستتوضح قريبا ونهائيا في لقاء سوتشي لحوار السوريين.
في لقاء بوتين وترامب المرتقب
وبخصوص اللقاء المرتقب بين الزعيمين الامريكي والروسي وتاثير تطورات معركة البوكمال عليه قال الكاتب والمحلل السياسي السوري سومر صالح أن حسم معركة البوكمال حسم أمر لقاء ترامب وبوتين على هامش لقاءات أسيان في فيتنام بعد تردد الطرفين، مضيفا ان هذا سيؤدي الى إعادة ترتيب أولويات اللقاء بين الرئيسين والخارجيتين.
واشار الى انه «بعد اللقاء الأول بين الطرفين على هامش اجتماعات مجموعة العشرين في هامبورغ نتج لدينا اتفاق هامبورغ(7 /7 /2017) لجنوب غرب سورية ضمن اطار مناطق تخفيف التصعيد، لذلك بات من الضروري اليوم بمكان عقد اجتماع بين الطرفين، فالجيش السوري يستعد للحسم التالي وقد تكون الرقة او شرق الفرات وجهته التالية وهذا سيحتم المواجهة مع واشنطن وأدواتها من قوات «قسد»، لذلك ينبغي إعادة صياغة اتفاق منع التصادم في الفرات التي تحاول واشنطن تكريسه كأمر واقع ، إضافة الى تصريحات سورية رفيعة المستوى بمنع الاستفراد الإقليمي والدولي بـ«حزب الله» وهو ما يعني أيضا احتمال المواجهة بين سوريا وواشنطن، لذلك كل هذه الملفات وتبعاتها ستكون محور لقاءات «دانانغ في فيتنام»،وقد تشهد القمة انجاز منطقة وقف تصعيد خامسة حسب ما أشار اليه ريكس تيلرسون الوزير الأمريكي».
وتابع محدّثنا «أن تحرير البوكمال أوصل المحاور المشتبكة الى نقطة الصدام او نقطة التسويات...فإما المواجهة العسكرية المفتوحة أو بلورة التسويات ورأينا إشارات أمريكية صدرت عن جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي بأن خيار واشنطن سيكون التسويات وهو فحوى قوله «يجب نقل
نتائج استانة الى جينيف» ،ومع هذا تبقى كل الأمور والسيناريوهات مفتوحة في المنطقة ، فالأزمة اللبنانية و اجراءات محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قد تعطل كل مسارات التسويات في المنطقة اذا أقدم ابن سلمان على حرب في ميناء الحديدة اليمني او ربما عمل عسكري ضد قطر نبّه وحذّر منه أمير الكويت منذ أيام.»