سباق إيطالي فرنسي على الملف الليبي: نحو تحديد موقف أوروبي موحد من الهجرة الإفريقية

قام وزير داخلية إيطاليا ماركو منيتي بزيارة سرية إلى ليبيا اجتمع فيها لأول مرة بالمشير خليفة حفتر، وذلك بضعة أيام قبل أن يصل وزير خارجية فرنسا جون إيف لو دريان طرابلس للقاء المسؤولين الليبيين. ولم تفصح الحكومة الإيطالية عن تفاصيل اللقاء قبل أن تنشر صفحة فيسبوك الرسمية للمشير حفتر صورة اللقاء مصحوبة بتعليق مقتضب عن فحوى المحادثات

بين الرجلين. من ناحيته اجتمع وزير خارجية فرنسا بالمسؤولين في تونس و طرابلس و التقى المشير حفتر لتدارس الوضع الأمني و ملف الهجرة طبقا لمقررات قمة باريس المخصصة للهجرة الإفريقية المنعقدة في قصر الإيليزي يوم 28 أوت.
زيارة وزير داخلية إيطاليا إلى بنغازي حيث التقى المشير حفتر في معقله بمطار المدينة تعتبر خطوة نوعية من قبل الحكومة الإيطالية التي التزمت إلى حد شهر أوت بمساندة حكومة فايز السراج التي تعترف بها منظمة الأمم المتحدة. وهي تختلف على زيارة أنجلينو ألفانو في شهر ماي الماضي حيث التقى بالسراج دون أن ينتقل إلى بنغازي مما أغضب زعيم بنغازي الذي يعتبر أنه «يسيطر على 70 % من التراب الليبي» مع عدم اعترافه بعلوية قرار طرابلس.

حسب التسريبات التي نشرتها الصحف الإيطالية دام لقاء منيتي مع حفتر ثلاث ساعات. وذكرت صحيفة «إل كوريري ديلا سيرا» استنادا لشاهد عيان حضر الجلسة أنها «كانت جلسة ودية تعرضت للقضايا السياسية التي تهم ليبيا وإيطاليا وأوروبا. وهي مسائل الهجرة و طرق صدها و تنظيمها ومراقبة الحدود الليبية و كذلك حالة التفرقة و الفوضى التي تطغى على الحياة السياسية في البلاد مع التعبير عن الرغبة في تدعيم سلطة مركزية موحدة لها سيادة». لقاء بنغازي هو نتيجة منطقية للقاء باريس بين حفتر و السراج الذي دعا له الرئيس ماكرون و الذي اعتبرته روما سحبا للبساط من تحت أرجلها.

ايطاليا تسترجع زمام الأمور
تدخل زيارة ماركو منيتي في إطار استرجاع إيطاليا دورها الريادي في الملف الليبي بعد أن رفضت بعض الدول الأوروبية مساعدتها في إدارة حجم المهاجرين الوافدين على الأراضي الإيطالية عبر البحر. و قد سجلت إيطاليا وصول 118 الف مهاجر و غرق 2400 في البحر منذ بداية السنة. و لم تشارك الدول الأوروبية في اقتسام حصصهم من المهاجرين كما كان مقررا من قبل. و مع تصاعد موجات الهجرة أخذت إيطاليا قرار التدخل العسكري قبال سواحل ليبيا و أرسلت مجموعة من البواخر الحربية لمساعدة البحرية الليبية على صد زوارق الموت. وشاركت القوات الليبية على أراضيها في منع المهاجرين من اقتحام السواحل وهو ما أدى إلى تخفيض كبير في عدد الوافدين على التراب الإيطالي.
هذا النجاح ساهم فيه وزير الداخلية الإيطالي بنسبة كبيرة بعد أن زار إيطاليا في مناسبات عدة التقى فيها بعديد الشخصيات النافذة في ليبيا. و تمكن من إقناع حكومة السراج في المساهمة في إدارة المهاجرين الموجودين على طول السواحل الليبية و ارتفع عددهم إلى 700 ألف مهاجر أغلبهم من التشاد والسودان و النيجر و مالي و إريتريا. و كان ماركو منيتي قد التقى في الأشهر الماضية بأربعة عشر رئيسا لبلديات أهم المدن الليبية منها بلديات منطقة الفزان التي لا تخضع لحكومة السراج. و تمكن، بفضل مسالك النفوذ الإيطالية في البلاد وفتح السفارة الإيطالية،في غياب السفارات الأوروبية الأخرى، من ربط علاقات متينة واتفاقات مع شيوخ القبائل الفاعلة والتي تقع في مسالك التهريب و الهجرة. وهو ما مكن من تقليص عدد المهاجرين وإعادة أكثر من 14 ألف منهم إلى الأراضي الليبية.

المشروع الفرنسي
رجوع إيطاليا في الصورة تزامن مع تعديل المشروع الفرنسي الذي تقدم به الرئيس إيمانويل ماكرون. في البداية أراد ماكرون أن يفتح على الأراضي الليبية مراكز فرز تدار من قبل السلطات الفرنسية و الأوروبية لفصل اللاجئين عن المهاجرين الإقتصاديين بين 700 ألف مهاجر موجودين على الأراضي الليبية. ولاقى هذا المقترح تحفظ إيطاليا و معارضة من قبل جل الفصائل الليبية. وهو ما جعل ماكرون يعدل مشروعه و يدعو إلى قمة حول الهجرة في باريس شاركت فيها يوم 28 أوت من الجانب الأوروبي فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و اسبانيا وممثلة أوروبا فيدريكا موغيريني ومن الجهة الإفريقية التشاد والنيجر وليبيا ممثلة في فايز السراج
وقبلت القمة المقترح الفرنسي الجديد القاضي بفتح مراكز في النيجر و التشاد مع مراقبة شديدة لمسالك الهجرة فيها. وهو ما يبعد الخطر عن الحدود الأوروبية الجنوبية. في المقابل أعلنت قمة باريس عن ربط مقاومة الهجرة بإستراتيجية تنمية منطقة الساحل الإفريقي مع مساندة جهود دول الجوار للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية. و لاقى هذا المقترح ترحيب الجانب الإيطالي الذي رسخ دوره كوسيط بين الفرقاء في ليبيا.

المساهمة الأوروبية
أفرزت قمة باريس ضبط الخطوط العريضة المستقبلية لحل مسألة توافد المهاجرين عبر التراب الليبي والبدء في رسم مخطط تنموي للبلدان المصدرة للهجرة. وأعلنت الدول الأوروبية رغبتها في رفع مستوى التمويلات المرصودة لإدارة قضية المهاجرين الموجودين على الأراضي الليبية و قد يصل عددهم المليون في الأشهر القادمة. الآن تقوم أوروبا بتمويل البرنامج الإنساني المتعلق بإدارة أكثر من 100 مجمع للمهاجرين. و تتولى القوى الليبية الرسمية و بعض المليشيات إدارة هذه التجمعات. وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أشارت إلى الخروقات للقانون الدولي في شأن المهاجرين بعد أن رصدت حالات عديدة من سوء المعاملة والتعذيب و الإغتصاب المسلط على المهاجرين. كما رصدت كذلك حالات من الفساد و علاقات مشبوهة بين المسؤولين الليبيين على التجمعات والمهربين .

و بالرغم من حالة التسيب، فقد أقرت المفوضية الأوروبية يوم 4 جويلية الماضي برنامجا طموحا لملف الهجرة الإفريقية الهدف منه ضمان استقرار ليبيا و تنمية دول الساحل الإفريقي. و رصد البرنامج الأوروبي 136 مليون يورو لصالح ليبيا منهم 46 مليون للحكومة الليبية من أجل حماية الحدود و 48 مليون لحماية المهاجرين و 42 مليون للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية على المستوى المحلي و الجهوي. وكان الإتحاد الأوروبي قد رصد في قمة مالطة ميزانية قدرها 1،8 مليار يورو لتجفيف منابع الهجرة عبر المتوسط.

و بالرغم من هذه الجهود، لم تتوقف موجات الهجرة التي استغلت مسالك جديدة عبر المغرب و اسبانيا. و لن تستثني العواصم الأوروبية فتح منافذ جديدة للهجرة مع تواصل ضعف «حكومة الوحدة الوطنية» الليبية و تنامي دور المشير حفتر الذي يحظى بمساندة مصر و المحور السني المساند لها. وقد أشار تقرير الأمم المتحدة حول العمران البشري العالمي إلى امكانية أن يرتفع عدد الأفارقة إلى 1،3 مليار نسمة في حدود 2050 و إلى أكثر من 4 مليارات نسمة مع نهاية القرن. وهو تحد آخر يواجه دول الشمال التي لا ترغب في استقبال الأفارقة الوافدين عليها في نفس الوقت الذي سوف تشهد مجتمعاتها نقصا فادحا في عدد السكان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115