باريس ضد روما؟: من تأميم ترسانة سان نازار إلى التدخل المباشر في ليبيا

ماذا يحدث بين باريس و روما؟ هل هي القطيعة أم بداية انطلاقة جديدة؟ منذ أن «اختطف» الرئيس ماكرون الملف الليبي من الحكومة الإيطالية بالنجاح النسبي في ربط العلاقات بين المشير خليفة حفتر ورئيس الحكومة فايز السراج في باريس والتوصل إلى «اتفاق» قابل للتحقيق، تواترت الإجراءات والتصريحات بين البلدين في خصوص المسألة الليبية وتوجت بقرار الحكومة الفرنسية تأميم ترسانة سان نازار التي كانت حكومة مانويل فالس قد وافقت على بيعها لشركة فنميكانيكا الإيطالية. لكن الرئيس ماكرون

طالب بإعادة التفاوض مع الجانب الإيطالي لضمان تمتع فرنسا بالبعد الإستراتيجي لصناعاتها البحرية. وأمام رفض الشركة الإيطالية قرر وزير المالية والاقتصاد تأميم الشركة «وقتيا».
هذا «الخلاف» الإقتصادي تبعه قرار الرئيس الفرنسي زرع «مراكز فرز» على التراب الليبي قبل نهاية الصيف، والذي أعلن عنه في خطاب ألقاه بمدينة أورليان الفرنسية، وذلك من أجل دراسة ملفات اللجوء على عين المكان وإقرار من سوف يتمتع بحق اللجوء في فرنسا وفقا لقرار الحكومة الفرنسية. لكن ذلك أربك الحكومة الإيطالية التي واجهت في نفس الأسبوع «هجوما» سياسيا غير مسبوق من حليفتها فرنسا على ملف شائك كانت أوروبا أوكلت تنسيقه لإيطاليا لما لها من علاقات تاريخية ترجع إلى عهد الاستعمار وبحكم موقعها الجغرافي الذي جعلها نقطة استقبال جل المهاجرين نحو أوروبا عبر البحر البيض المتوسط.

تساؤل ممزوج بالتخوف
تصريحات المسؤولين الإيطاليين في الملفين كانت في نفس الإتجاه ، مؤكدة على ضرورة الحوار ومتخوفة من خروج فرنسا عن الصف الأوروبي بعد أن أظهر الرئيس ماكرون وجها أوروبيا استبشرت به إيطاليا وبنت دبلوماسيتها طموحات لتغيير سير الإتحاد الأوروبي بعد أن عملت في عهد فرنسوا هولاند على جمع بلدان الجنوب الأوروبي في جبهة منادية بتغيير السياسات الأوروبية نحو تنمية الاقتصاد والخروج من سياسة التقشف المفروضة من قبل ألمانيا.
في ملف ترسانة سان نازار، وقع وزير الاقتصاد الإيطالي بيار كارلو بادوان ووزير النمو الاقتصادي كارلو كاليندا بيانا مشتركا استنكاريا جاء فيه:»نحن نعتبر قرار الحكومة الفرنسية خطيرا و غير مفهوم خاصة أنه لم يحترم الاتفاقات المبرمة» . ولحق ذلك اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء الإيطالي باولو جانتيلوني و الرئيس الفرنسي لطلب توضيحات حول تغيير الموقف الفرنسي . وعبرت الحكومة الفرنسية في المقابل عن أن باب التفاوض لا يزال مفتوحا في محاولة لنزع فتيل الغضب الإيطالي. واقترح برونو لومار وزير الإقتصاد الفرنسي إدراج صناعة السفن الحربية في مشروع كبير ينطلق من ملف الترسانة. و أعلن عن تنقله لروما يوم الثلاثاء لدراسة الوضع مع نظيره الإيطالي.

بتأميم الترسانة أرادت الحكومة الفرنسية دخول المفاوضات في موقع قوة وهي تمسك بكل جوانب الملف. وإدراج البعد العسكري يمكن أن يفضي إلى تكوين «نواة» لقوة صناعية عسكرية أوروبية. وسبق أن أكد ماكرون على ضرورة الشروع في بعث قوة دفاع عسكري أوروبية بعد خروج بريطانيا من الإتحاد. وقرر المجلس الأوروبي البدء في تكوين ميزانية لذلك ابتداء من 2020 تطمح فرنسا في رفعها إلى 10 مليار يورو وتكون رائدة في تشكيلها وإدارتها على نظام شركة «آرباص» الأوروبية التكوين.

تراجع في الملف الليبي
بعد أن نجحت باريس في إعطاء المشير حفتر، الذي حضر لقاء باريس دون زي عسكري، موقعا دوليا في التفاوض مع فايز السراج، تطمح الحكومة الفرنسية الى تقديم بيادقها في الملف الليبي في إطار الضغط المسلط من قبل الحلف الذي تقوده مصر والسعودية. وتندرج التحركات الفرنسية في هذا المسار الذي أسس له الرئيس هولاند. اليوم يريد ماكرون زرع نواة فرنسية على الأرض لشق الطريق أمام تفرد إيطاليا بليبيا وتسخير الأدوات السياسية والدبلوماسية والعسكرية للعب دور ما في ما بعد الوضع الحالي المتردي.

أمام غضب إيطاليا وبالرغم من زيارة وزير خارجية فرنسا جون إيفل لودريان لروما لتوضيح الموقف الفرنسي، أظهرت روما عزما شديدا في عدم التخلي عن «مستحقاتها» في الملف. وهي تنتظر وزير الإقتصاد الفرنسي لفرض حل لا تكون إيطاليا خاسرة في شأنه فيما يتعلق بقضية ترسانة سان نازار و كذلك فيما يتعلق بالملف الليبي. وأمام عزم روما المعلن من قبل رئيس الوزراء الإيطالي التمسك بالتحرك المشترك في إطار الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أعلن قصر الإيليزي عن تمسكه بالعمل الجماعي وعن المشاركة المقبلة في إطار أوروبي في نقاش مسألة «مراكز الفرز» على التراب الليبي. ولا يخفى أن مثل هذه الهيئات تتطلب إمدادات لوجستية وهياكل أمنية و إطارات عسكرية لحمايتها وتسهيل أعمالها. وهو ما يعني التدخل المباشر على الميدان. ولن تقبل إيطاليا، حسب التصريحات الرسمية الأولية، بسهولة تمرير مثل هذا المشروع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115