المنتخب إلى تعديلات في الموقف الفرنسي تجاه الأزمة في سوريا والخلاف مع روسيا والموقف من تركيا بعد أن أقر ماكرون أنّها «ليست جاهزة للدّخول في الإتحاد الأوروبي». أما المغرب العربي فلقد حظي منذ الحملة الانتخابية بعناية المترشّح ماكرون الذي زار تونس والجزائر قبل الانتخابات. وخلفت زيارته للجزائر جدلا عميقا في الأوساط السياسية الفرنسية عندما اعتبر أن «الاستعمار يعتبر جريمة ضد الإنسانية».
فهل تبلورت وجوه الإستراتيجية الماكرونية تجاه بلدان المغرب العربي؟ في البداية جاءت تصريحات ماكرون في الجزائر لتعطي الضوء الأخضر لتعديلات في المواقف الدبلوماسية الفرنسية. وقد ركز الرئيس الفرنسي على أهمية الذاكرة المشتركة المتعلقة بفترة الاستعمار الفرنسي وتنقيتها ممّا شابها من جدل وتسويف. وقام ماكرون بإعادة صياغة الملف الأمني المتعلق بمقاومة الإرهاب في المنطقة على أساس خصوصيات التواجد العسكري في دول الساحل الإفريقي. وهو يأمل بذلك احترام تدخلات دول المغرب العربي في الملف مع ضمان نجاعة المقاومة التي تفتح الباب أمام التبادل التجاري والاستثمار في النمو الاقتصادي .
ثنائية التحرك الدبلوماسي
الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة المغاربية تطغى عليها تقليديا الخلافات القائمة بين أعضاء الإتحاد المغاربي. من ذلك أن باريس، على مختلف الحكومات المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي، أسست إستراتيجيتين مختلفتين نوعيا تجاه الجزائر والرباط. فتزامنت أول زيارة رسمية «شخصية» للرئيس ماكرون إلى الرباط «للتعارف» مع زيارة جون إيف لودريان، وزير أوروبا والشؤون الخارجية، للجزائر لرفع أي إشكال متعلق بزيارة ماكرون للمغرب ولو أن قصر الإيليزي سوق لفكرة «تحضير زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر».
كما عبر فرنسوا هولاند من قبله، أكد إيمانويل ماكرون على «العلاقات الفرنسية المغربية الإستراتيجية». وتمثل ذلك في الأبعاد الإقتصادية والأمنية والثقافية. وتمثل المغرب بالنسبة لفرنسا بوابة لإفريقيا حيث تتضافر جهود منظمتي الأعراف الفرنسية والمغربية في تشكيل إستراتيجية اقتصادية لغزو أسواق بلدان الساحل الإفريقي ومن هناك أسواق البلدان الناطقة بالإنغليزية. وتساند الدولتين جهود المؤسسات المالية والصناعية للبلدين في استراتيجيا موحدة. على المستوى الثقافي، و إضافة للتفتح المغربي على اللغة والفنون الفرنسية تستفيد فرنسا من قدرات المغرب في تكوين الأئمة المسلمين الفرنسيين وكذلك المسؤولين الإسلاميين في إفريقيا في إطار مخطط كمقاومة الراديكالية.
أما الملف الجزائري فيبقى معقدا، بالرغم من بعده الإستراتيجي المعلن، لما للإرث الاستعماري من مخلفات على العقليات والسياسات في فرنسا والجزائر على السواء. وإن تطورت العلاقات بين البلدين في عهد فرنسوا هولاند فإن ماكرون أراد، قبل أن يدخل قصر الإيليزي، أن يوضح مدى عزمه على تغيير محتوى ومستوى العلاقات مع الجزائر. اعتبار الاستعمار جريمة ضد الإنسانية مهد إلى الدخول في عهد جديد يمكن البلدين من تخطي صعاب الماضي وفتح مجالات في التعاون لا تزال مغلقة. الملف الأمني، في المقابل، هو محل تعاون شديد برز عند تدخل فرنسا في مالي ضد الجماعات الإرهابية اثر الربيع العربي وتواصل في إدارة ملف مقاومة الإرهاب وحل الأزمة المالية وصولا إلى جهود حل الأزمة في ليبيا.
في كل هذه المسائل الأمنية تبقى الجزائر والمغرب، بالرغم من الخلافات الإقليمية، ركيزتين إستراتيجيتين دون منازع وذلك اعتبارا للقدرات العسكرية والأمنية للبلدين وتواصل دبلوماسياتها في المنطقة.. منذ اندلاع «الثورة»، تغير تعاطي فرنسا مع تونس بسبب معضلة الارهاب. وأخذت هذه الأخيرة قدرا وافرا من الاهتمام على الصعيدين الداخلي والإقليمي. وهي، بالنسبة لفرنسا، أحد مفاتيح الحل في ليبيا بحكم العلاقات التقليدية للسلط التونسية مع ليبيا وانفتاح تونس على كل الفصائل الليبية المتنازعة بما فيها الحركات الإسلامية. الزيارات المتتالية للمسؤولين الفرنسيين إلى تونس تدخل في إطار التوصل إلى حل للمأزق الليبي مع الحفاظ على استقرار وأمن تونس التي تعتبرها باريس المثال الوحيد لنجاح ما سمي بـ «الربيع العربي». ولا ترغب في تدنيس هذه التجربة الرائدة التي يمكن أن تكون أنموذجا في حل أزمات أخرى في المنطقة على أساس التوجه إلى إرساء نظم ديمقراطية ناجحة في جنوب البحر الأبيض المتوسط.