وأعطت مختلف مؤسسات سبر الآراء توقعات لعدد المقاعد المحتملة لمختلف الأحزاب أظهرت تقدما ساحقا للجمهورية إلى الأمام ما بين 400 و 450 مقعدا أمام ائتلاف حزب الجمهوريين و الوسط (ما بين 95 و 132 مقعدا) و الحزب الإشتراكي و الخضر (ما بين 15 و 25 مقعدا) وحزب «فرنسا الأبية» اليساري (مابين 12 و 13 مقعدا) و الجبهة الوطنية (ما بين 2 و 5 مقاعد). وهي توقعات مبنية على عدد المرشحين إلى الدورة الثانية التي تجمع من حصل على 5،12 % من الناخبين المسجلين.
ويأتي في المقدمة حزب الرئيس ماكرون ب 533 مرشحا سوف يتنافسون مع 305 مرشح من اليمين والوسط و68 من «فرنسا الأبية» و 124 من اليمين المتطرف و 65 من الحزب الاشتراكي. ويتصدر حزب الجمهورية إلى الأمام جل الدوائر الانتخابية بأرقام كبيرة تؤهل مرشحيه للفوز بأغلبية عريضة تفوق 400 مقعدا.
مقبرة الفيلة الإشتراكيين
أغلب الوجوه التاريخية للحزب الاشتراكي تم عزلها من الدورة الأولى وفي مقدمتها المرشح للرئاسة بونوا هامون و السكرتير الأول للحزب جون كريستوف كومباديليس. وسجلت الإنتخابات الإطاحة بأكثر من مائة نائب اشتراكي تقدموا لدورة ثانية بما فيهم وزراء من حكومات فرنسوا هولاند مثل وزيره للداخلية ماتياس فيكل ووزيرة الثقافة السابقة أوريلي فيليبيتي ووزراء من عهد جوسبان مثل جون غلافاني و إليزابيث غيغو وفرنسوا لامي. وشملت حملة «ديقاج» أسماء أخرى من النواب في الجهات والكوادر الوطنية للحزب. وهو عبارة عن تسونامي هز أركان الحزب الاشتراكي ورموزه مما جعل إدارة الحزب تفكر مليا في بيع مقر الحزب تحسبا للخسارة المالية الناجمة عن انخفاض عدد النواب في البرلمان. ومس زلزال الدورة الأولى بوجوه الإيكولوجيين المساندين للحزب الإشتراكي فتم اقصاء الوزيرة السابقة سيسيا دي فلو و زميلتها في الحكومة الأخيرة إيمانوال كوس.
تفكك حزب الجمهوريين
يبدو أن إستراتيجية الرئيس ماكرون في تكليف إدوار فيليب برئاسة الحكومة و منح حقيبة الاقتصاد لبرونو لومار، وهما وجهان مرموقان في حزب الجمهوريين، قد أتت بأكلها. إذ تقهقر حزب الجمهوريين بصورة واضحة في حين كان منذ ستة أشهر مهيئا للعب دور كبير والحصول على كرسي الرئاسة وعلى أغلبية مريحة في البرلمان بعد أن اكتسح الانتخابات البلدية والجهوية في عهد فرنسوا هولاند.
لكن العرض السياسي للرئيس ماكرون أفرغ نصيب حزب الجمهوريين من إمكانيات الفوز وحول الأزمة الداخلية للحزب المتعلقة بفضيحة فرنسوا فيون إلى هزيمة تاريخية سوف تلحقها أزمة داخلية تشق الحزب الذي تتمحور قواه الحالية حول كتلة صلبة يمينية محافظة مساندة من قبل اليمين الكاثوليكي وأخرى متفتحة على اليسار وخاصة على سياسة إيمانويل ماكرون.
تعطل حركة الجبهة الوطنية
أثرت هزيمة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية في نتائج الحزب في الدورة الأولى للتشريعية. وإن كان متوقعا أن تحصد الحركة عددا هاما من المقاعد فإن النتائج جاءت لتخيب آمال زعماء الجبهة الوطنية الذين فشلوا في الحصول على ورقة ترشح للدورة الثانية ما عدا مارين لوبان و نائبها فلوران فيليبو.
لكن الحزب تمكن من الحصول على 124 ترشيحا للدورة الثانية مضاعفا بذلك نسب انتخابات 2012.لكن التوقعات لا تمنح الحزب سوى مقعدين أو 5 على أقصى تحديد لافتقاده لمخزون انتخابي متفرق على كل الدوائر الانتخابية. وسجلت الجبهة الوطنية أرقاما قريبة من تلك التي حصدتها عام 2012 و بخسارة 4 ملايين صوت على الانتخابات الرئاسية الأخيرة. و سوف يؤثر ذلك في تماسك الحزب خاصة أن مارين لوبان أعلنت عن نيته إعادة هيكلته و أن بعض الشخصيات داخله أعلنوا عن معارضتهم لنهج فلوران فيليبو و عزمهم على تغيير عقيدة الحزب حتى يصبح مقبولا لدى عائلات اليمين الواسعة و من ذلك نيتهم القبول باليورو وتليين موقفهم من الإتحاد الأوروبي حتى يتمكنوا من الانقضاض على ما تبقى من تركة الحزب الديغولي.
صعود اليسار الراديكالي
تمكن اليسار الراديكالي بزعامة جون لوك ميلونشن من التقدم على الحزب الاشتراكي لأول مرة في انتخابات على المستوى الوطني ليصبح القوة السياسية الأولى لليسار. واستغل ميلونشن الانقسام داخل الحزب الاشتراكي بفتحه الباب أمام الناخبين المساندين لمجموعة «المنتفضين» داخل الحزب الاشتراكي وأولئك الذين خذلهم المرشح الاشتراكي بونوا هامون في الانتخابات الرئاسية.
حصول الحزب الراديكالي على 68 مرشحا في الدورة الثانية يؤهله للعب الدور الأول في المعارضة اليسارية لحكم ماكرون. لكن حجم تواجده في البرلمان سوف يعطي نظرة على قدرته على التأثير أمام أكثر من 400 نائب ماكروني.
نجاح حضاري
برهن الناخب الفرنسي على أن الشعوب الراقية المتمسكة بالفعل الديمقراطي قادرة على استرداد سيادتها عبر صناديق الاقتراع و تغيير الطبقة السياسية و الطبقة الحاكمة سلميا بتفويض قوى سياسية و مدنية لإرساء عهد جديد عبر مسالك مؤسساتية ديمقراطية تسمح بإصلاح منظومة الحكم و الأنموذج الاجتماعي دون المساس بالأمن العام و إقحام البلاد في متاهات الحرب الأهلية كما وقع في بلدان الربيع العربي التي لا تزال تتخبط في العنف و التقتيل والتعذيب والفساد. الناخب الفرنسي أراد من خلال اقتراع الأحد 11 جوان إعطاء أغلبية مريحة للرئيس ماكرون وتقزيم دور الحركات الراديكالية في عملية ثورية هادئة أطاحت بالطبقة السياسية القديمة وهي في طريقها لفتح الباب أمام قوى من الرجال و النساء بالتناصف من المجتمع المدني ومن التنظيمات السياسية الراغبة في الرقي والتقدم باتخاذ أسلوب برغماتي بعيد عن هيمنة التوجهات الإيديولوجية البالية.