في مختلف التجارب السياسية التي عاشتها فرنسا في السنوات الماضية كان هناك تقليد مفاده انه عندنا يختار الفرنسيون رئيسهم ويمنحوه قصر الاليزيه فانه بطريقة طبيعية يزودونه بالوسائل المؤسساتية الضرورية لحكم فرنسا وإدارة شؤونهم عبر اعطائه أغلبية برلمانية تجنبه مرارة تجربة التعايش السياسي، وتقاسم السلطة مع احزاب أكثر نفوذا منه في البرلمان. فرنسا عاشت هذه التجربة المتجانسة مع كل من جاك شيراك، نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند.
مع الرئيس الجديد ايمانويل ماكرون يرى المراقبون أن الأمور قد تكون مختلفة نسبيا لأسباب متعددة أولها ان الرئيس الجديد يقود حركة سياسية جديدة نسبيا لا تتمتع بتواجد في العمق الاجتماعي الفرنسي المهيكل للحياة السياسية المحلية. بخصوص هذه النقطة بالذات هناك انقسام في عملية تقييمها بين من يقول بان ورقة التجديد قد تكون ورقة رابحة لمن يريد ان يدفن الماضي بكل عيوبه ونواقصه، وبين من يعتقد بان الشخصيات الجديدة التي يحملها حزب الجمهورية الى الأمام قد لا تستطيع تحقيق اختراق بسبب غياب التجربة والتجذر في الواقع السياسي المحلي.
العنصر الثاني الذي يساهم في إلقاء ظلال الشك على إمكانية حصول إيمانويل ماكرون هو معرفة النتائج التي قد تحققها الأحزاب الأخرى التي شارك مرشحوها في الانتخابات الرئاسية. فالسؤال يطرح بحدة لمعرفة كيف ستترجم أيقونة اليمين المتطرف مارين لوبان النسبة التي حصلت عليها في الانتخابات الرئاسية والتي تقدر بعشرة ملايين صوت في نتائج الانتخابات البرلمانية؟ هل يعيش حزب الجمهوريين الذي غرق مرشحه فرانسوا فيون في مستنقع الفضائح موتا سريريا ام لايزال قادرا على خلق المفاجآت؟ وجان لوك ملونشون زعيم جبهة اليسار الذي حقق اختراقا لافتا في الانتخابات الرئاسية والذي يصبو الى دخول البرلمان بقوة ولعب دور المعارض الأساسي لامانويل ماكرون في الحقبة المقبلة...
ما نوعية الانجاز البرلماني الذي سيحققه في الاستحقاق المقبل؟ بتعيينه لرئيس حكومة يميني ادوار فليب ووزراء محسوبين على تياره من حزب الجمهوريين يَصْبو الرئيس ماكرون الى محاولة استقطاب شخصيات من هذا الحزب لكي تلتحق بالركب الجديد وتساهم في عملية إنجاحه عبر توفير أغلبية برلمانية له. وقد اجمع المراقبون على اعتبار ان ماكرون استطاع زعزعة الثقة وإدخال الشك في صفوف اليمين الذي بات بعض رموزه يتساءلون عّن جدوى البقاء مع العهد القديم والمنفعة التي قد يجنوها بالتحاقهم وتبنيهم للديناميكية الجديدة التي أطلقها ايمانويل ماكرون .