وليس خافياً على أحد ، بأنّ مسألة إعلان شعب ما لدولتهِ ومن ثم إلإعتراف بشرعية هذهِ الدولة يخضع أولاً وأخيراً إلى توافق القوى العظمى في مجلس الأمن ودوله الخمس دائمة العضوية ، وتوافق مصالحها بالدرجة الأولى ، وغياب إنشاء وتكوين ومن ثم إعلان دولة جديدة ، مرهون أصلاً بتقاطع المصالح لهذهِ الدول الخمس ، وهذا ما هو حاصل مع مشروع قيام الدولة الكردية التي لم تر النور ، ماضياً ، وحاضراً إن لم يكن لها مُستقبلاً أيضاً و التي يدعو لها السيد مسعود البارزاني الآن ، وهو الذي يعلم أكثر من غيره ، بإستحالة قيام دولتهِ الكردية المفترضة الآن كونها وُلدت ميتة بغياب أي منفذ بري ، أو بحري ، أو جوي يمكن لها أن تتنفس مِنْهُ وهي مُحاطة بالأخوة الأعداء : تركيا ، وسوريا ، وإيران ، والعراق .. ولإعلان جمهورية مهاباد الكردية في إيران عام 1946 والتي لم تدم سوى أحد عشر شهراً .. أسوة واضحة للسيد مسعود البارزاني بعد أن تم التخلي عنها من قبل زعيم الاتحاد السوفياتي ستالين بصفقة تاريخية قذرة مع الولايات المتحدة مقابل إرجاع جمهورية الچيك للهيمنة السوفييتية آنذاك.
بعد حرب الخليج الثانية عام 1990 إثر إحتلال العراق للكويت ، تم إقتطاع إقليم كردستان العراق ووضعه تحت الحماية الأمريكية بشكلٍ كامل وتحويلهُ الى شبه دولة كاملة المواصفات ، بحكومة كردية خالصة ، لها وزراؤها ، ومناهجها التعليمية الناطقة بلغتها بالكردية الأُم على مايزيد من قرنٍ من الزمان ونيّف ، ولها تمثيلها في المحافل الدولية ومنظماتها الأممية ، وإقامة علاقات استراتيجية وأمنية مع كيانات ودوّل عديدة ، وأولها إسرائيل ،والذي استمر الى يومنا هذا ، وهذا ما شكّل اللبنة الاولى لإختلاف مفصلي وخطير لأمريكا مع الحليف الاستراتيجي وعضو الناتو المهم في هذه المنطقة الملتهبة من الشرق الأوسط « تركيا» التي بدأت علاقاتها بالتراجع مع الدولة العبرية إثر محاصرة اسرائيل لسفن المساعدات التركية الى غزة واقتحامها ، مما أدى لسقوط العديد من القتلى الأتراك القائمين على سفن المساعدات هذهِ واعتبار ذلك إهانة للسيادة التركية من قبل «إسرائيل» .
تركيا « أردوغان» وخروجهِا من العباءة الأمريكية تدريجياً أثر التطورات العسكرية الهامة في خاصرة البلاد جنوب شرق الأناضول،وتسليح أمريكا لقوات سوريا الديمقراطية (الكردية) ومدها بمستشارين عسكريين يحملون علمها، وهم أشد أعداء تركيا ، وتصاعد العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني ، وزيادة نفوذ منافسهِ الأخطر عبدالله غگولن المقيم في الولايات المتحدة الامريكية في الإستحواذ على السلطة ، بصمت أمريكي واضح ، وموقف الإتحاد الأوربي المُعطّل لدخول تركيا الى الإتحاد ، كل ذلك دفعهُ لإتخاذ قرارات سياسية وعسكرية تنأى بتركيا عن الغرب وتتجه صوب روسيا ، مما أثار حنق الإدارة الأمريكية ، والبحث لها عن بديل استراتيجي في قلب هذهِ المنطقة الملتهبة والغنية بالنفط والغاز والتي تشكل بثقلها ثلث الاقتصاد العالمي .
أمريكا ، وخلال حقبة أوباما لثماني سنوات ، خسرت الكثير من نفوذها العسكري والاقتصادي والأمني ، والأهمّ من ذلك هيبتها التي تمرغت في الوحل في العراق وأفغانستان لصالح عدوها التاريخي روسيا ، ومن ثم إيران النووية ، التي استحوذت على مناطق نفوذها في لبنان ، واليمن ، ومضيق هرمز ، ليس لها الآن سوى إنشاء كيان كردي ، رديف لإسرائيل ، تتطابق مصالحهِ التاريخية مع مصالح امريكا السياسية والعسكرية وبوجود قادة مثل السيد مسعود البارزاني الذي لا يألو جهداً في التحالف مع الشيطان لتحقيق أهدافه السياسية والتاريخية في مناطق الكرد شمال العراق وسوريا ، ليكون رأس رُمحها في خاصرة الهلال الشيعي الإيراني ، المُمتد حالياً من شمال العراق ، مروراً بسوريا ولبنان ، لينحني في الأردن ، متجهاً صوب خليج البحرين واليمن .