السيناريو الذي هز مدينة «نيس» الفرنسية الصيف الماضي يعاد مرة أخرى في برلين حيث دهست شاحنة مسجلة في بولونيا و قادمة من إيطاليا «سوق نوال» الذي يقام تقليديا كل آخر سنة. و لم تتسرع الشرطة الألمانية في اعتبار الهجمة «عملا إرهابيا» بل قامت بتصفية سائق الشاحنة قبل إلقاء القبض على مرافقه. و بعد التحقيق الأولي أعلن وزير الداخلية الألماني طوماس دي ميزيار صباح الثلاثاء أن الهجمة «إرهابية الصنع» و أن «الشاحنة تم توجيهها عمدا ضد الحشود المتراصة في السوق»، دون أن يعطي معلومات إضافية.. لكن بعض المصادر الأمنية أوضحت أن أحد الإرهابيين تمت تصفيته في الشاحنة من قبل أعوان الأمن وهو بولوني الجنسية في حين ان الإرهابي الثاني هو من أصل باكستاني دخل ألمانيا ضمن أفواج اللاجئين عام 2015 و كان يسكن في مأوى للاجئين قرب أحد مطارات المدينة.
نفس الأسلوب و نفس الآليات التي استخدمت في مدينة «نيس» تم استعمالها هذه المرة لقتل أبرياء لا علاقة لهم بالقتال في سوريا و العراق. وهو مؤشر على أن تنظيم داعش الارهابي سوف يواصل عملياته الإرهابية في قلب أوروبا بالرغم من الإجراءات الصارمة المتخذة للوقاية من العمليات الإرهابية في جل البلدان الأوروبية. وأصبح واضحا أيضا أن سقوط حلب سوف يوسع منطقة التدخل الإرهابي باستعمال الخلايا النائمة و الأفراد المنتمين الى تنظيم داعش الارهابي.
استهداف القوى العظمى
عملية أنقرة الإرهابية ذهب ضحيتها سفير روسيا في تركيا على يد شرطي تركي صاح «الله أكبر» وهو يطلق النار على الدبلوماسي و أعلن أنه يثأر لمدينة حلب. هذه المعطيات الأولية تشير بوضوح إلى أن تنظيم داعش الإرهابي يريد أن يفرض أجندة دولية للصراع باستهدافه صباحا السفير الروسي ومساء مقر السفارة الأمريكية بأنقرة. عمليتان في نفس اليوم ضد رمزين للقوى العظمى أعلنا الحرب على الإرهاب و على تنظيم داعش الارهابي.
المؤشر الثاني وهو انتماء الإرهابي إلى الشرطة التركية يؤكد المعلومات التي راجت حول اختراق أجهزة الأمن التركية و تواطؤ بعض جهات المخابرات التركية مع تنظيم داعش. وهو معطى يعقد المسألة في جو دخلت فيه تركيا شبه حرب أهلية مع الأكراد. فتعدد العمليات الإرهابية من قبل تنظيم داعش في تركيا سوف يؤدي إلى استمرار حالة عدم الإستقرار التي تخدم مباشرة مصالح التنظيم الإرهابي.
استهداف السفير الروسي يدخل في الصراع الدائر بين روسيا والحركات المقاتلة في سوريا. وهو ردة فعل ، من جهة، على الدور الروسي الرادع ضد الجماعات المقاتلة، وهو، من جهة أخرى، استهداف للسفير الروسي الذي عمل جاهدا على تقريب وجهات النظر بين أنقرة و موسكو. وهو، حسب جل الملاحظين، صانع التقارب بين بوتين و أردوغان الذي انحاز مؤخرا لطروحات موسكو الرامية إلى إعادة ترتيب البيت السوري مع الحفاظ على المصالح التركية لكن شرط أن تساهم تركيا في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. وهو بالنسبة لأنقرة دور يمكنها أن تلعبه دون عناء بكونها شغلت مهمة الوسيط بين الدول الغربية و الخليجية الداعمة للحركات المقاتلة في سوريا و الجماعات المقاتلة التي عبرت الحدود التركية بمساعدة لوجستية حكومية.
استهداف الولايات المتحدة الأمريكية يوم انتخاب دونالد ترامب نهائيا على رأس الدولة يشير إلى تغيير موقف تنظيم داعش بعد أن أعلن دونالد ترامب نيته القضاء على التنظيم. سيناريو التصعيد ضد داعش سرّع في إعادة صياغة التحركات الإرهابية التي أخذت منحى جديدا بعيدا عن حرب العصابات المتبع في سوريا. استعمال الخلايا النائمة والأفراد هو النهج الجديد الذي يشغل بال أجهزة الأمن و المخابرات في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية. ردة فعل الرئيس الأمريكي الجديد أتت على الفور لتعيد الالتزام بدخول الولايات المتحدة في حرب من نوع جديد ضد الإرهاب، لكن هذه المرة في صف واحد مع روسيا. وهو ما سوف يسفر حتما عن إعادة ترتيب العلاقات مع الدول الراعية للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.