يمكن أن يسقط النظام السوري مثلما أسقط النظام الليبي ومن قبله العراقي، فالتناقضات التي حملها خطابه في الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة سواء كانت حول قضايا وأزمات الشرق الأوسط أو رؤيته للعالم، كالأزمة السورية أو الأزمة الليبية أو حرب العراق أو عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي وصلت جميعها إلى طريق مسدود، إذ أغفل وتناسى أن يقول إن أمريكا وسياساتها لفرض النموذج الأمريكي في المنطقة أو حتى تدخلاتها السياسية والعسكرية كانت السبب الأساسي وراء حالة الفوضى والعنف في المنطقة.
كما تحدث في هذا الخطاب عن إنجازاته، حيث أكد أنه تمكن من القضاء على الإرهابيين والمتطرفين، وهو ما لم يحدث، والأدلة لا تحتاج إلى شرح، ويمكن لحلفائه في الدول الأوروبية الحديث عن ازدياد الهجمات الإرهابية على أراضيهم، وإذا نظرنا لموقف أمريكا، ودعوة أوباما لمواجهة تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، نجد الازدواجية، من حيث الاستمرار في الدعم، وتدفق المعونات لـ«داعش»، ومعالجة قياداته في تركيا.
فالمتتبع لمواقف الولايات المتحدة يستطيع أن يرى قراراتها المتحيزة لبعض القضايا منها القضية الفلسطينية التي لا تزال إسرائيل تقتل الفلسطينيين، فإسرائيل تقتل وتدمر كيفما تشاء، وواشنطن تتحدث عن ضرورات ضمان أمن إسرائيل، هذه السلوكية العدوانية الإسرائيلية هي السبب في إفشال مساعي السلام ، ونرى العراق اليوم الذي حولته الولايات المتحدة إلى ساحة عنف وقتال طائفي وأرض للعصابات وساحة مفتوحة لكل الناس ولم تتوان في تكريس الانقسام بين السنة والشيعة عن طريق بث المعلومات الكاذبة بهدف تحقيق الفوضى والخراب في العراق، ولا ننسى محاولة تفتيت اليمن ومصر وتونس والسودان ولبنان والصومال من خلال محاولة صنّاع القرار الأمريكيين بتكريس الخلافات وتشجيع النعرات الطائفية وإنشاء تكتلات دينية مختلفة في هذه الدول.
ولم يترك أوباما إجتماعا أو مناسبة إلا وهاجم من خلالها بوتين، وخلال الإجتماعات الأخيرة للجمعية العامة، إتهم أوباما بوتين، بأنه يحاول استعادة مجد الإمبراطورية الروسية عن طريق استخدام القوة، كما حملًه مسؤولية ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي وأخواته ، وبدلاً من هذه الأحاديث ، على الولايات المتحدة أن تدرك أن منطقة الشرق الأوسط كان يمكن أن تكون في وضع أفضل بدون التدخل في شؤونها الداخلية التي جلبت الإرهاب والفوضى إلى مجتمعاتنا. في سياق متصل، عقد مجلس الأمن جلسة طارئة بدعوة من الولايات المتحدة في 25 سبتمبر الماضي لمناقشة الوضع المتدهور في مدينة حلب، وطبعاً الهدف هو استغلال المجلس في الهجوم على روسيا، وتحميلها كامل المسؤولية عن فشل إتفاق وقف إطلاق النار، لكنها فشلت مع حلفائها في تحويل الجلسة إلى محاكمة علنية لروسيا، التي فضح تدخلها العسكري زيف أهداف «التحالف الدولي ضد داعش»، من خلال الضربة الأمريكية على مواقع الجيش السوري في مدينة دير الزور، وفي الوقت نفسه ما زالت تعمل فيه على تسليح الأكراد من أجل تمكينهم من فرض مشروعهم الانفصالي، من ثم تحقيق حلم التقسيم الذي طالما سعوا إلى فرضه على البلاد منذ البداية.
كما كشفت المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الأمريكية عن عمق الأزمة التي تعيشها أمريكا، فقد أكد ترامب بأنها دولة مفلسة، حيث تجاوزت ديونها 20 ترليون دولار، وأصبحت أقرب لدولة من العالم الثالث، ولم تنكر هيلاري كلينتون الوضع الأمريكي الصعب، بل اعترفت بتنامي ظاهرة التفرقة العنصرية، وقالت إنها أخطر تهديد يواجه أمريكا، كما أن الأزمة الأوكرانية كشفت افتقارا كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية، كون مصداقية الولايات المتحدة في إنحدار مستمر بسبب تسييس أجهزتها الإستخباراتية والكسب من وراء السياسات الرخيصة.
اليوم ليس بمقدور إدارة البيت الأبيض أن تنقذ المسلحين المحاصرين شرق حلب، وبات التحالف الأمريكي عاجزاً عن كسب الحرب في سوريا، وعاجزا أيضاً عن طرح مخرج للأزمة السورية، وأن العمليات العسكرية سوف تتواصل ضد الجماعات المسلحة والقوى المتطرفة الأخرى، لترث الإدارة الأمريكية الجديدة وضعا سيئاً لمخططها في سوريا، وأن الإدارة الأمريكية تنتقل من فشل إلى فشل، لذلك يمكن القول أن الولايات المتحدة أصبحت غير قادرة على التعامل مع جميع الأزمات الدولية، في الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دور القيادة من المقاعد الخلفية، وبالتالي فإن المصداقية الأمريكية على المحك، ويمكن تلمس حالة التخبط الأمريكي من خلال إعراب وزير الدفاع الأمريكي كارتر، عن قلقه لوجود مستشارين عسكريين روس وإيرانيين إلى جانب القوات السورية، معتبر تواجدهم سيساهم في تأجيج النزاع والفوضى في سوريا وقد يجهض الحملة ضد داعش، هذه الطريقة من الكلام، تكشف وتدل على مدى العجز والقلق الذي تشعر به أمريكا وحلفاؤها، إزاء تطورات الأوضاع في سوريا.