وذلك لإرساء حل للأزمة السورية التي دخلت عامها السادس . دلالات وأسباب هذا الانسحاب – رغم تأكيد الكرملين أنّ الغارات الروسية ستبقى مستمرة – تراوحت بين من اعتبرها وسيلة ضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لإنجاح محادثات السلام، وبين من قال أنّها بمثابة تخلّي «القيصر» الروسي عن حليفه «الأسد» السوري وفق تفاهمات جديدة بين موسكو وواشنطن.
وكشف ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن السبب الرئيسي لسحب القوات الروسية من سوريا، موضحا أن بوتين اتخذ قراره استنادا إلى نتائج عمل مجموعة القوات الروسية في سوريا والتي حققت المهمات الأساسية المطروحة أمامها هناك. يشار إلى أنّ التدخّل العسكري الروسي في سوريا انطلق يوم 30 سبتمبر 2015 .
الانسحاب الروسي من روسيا -رغم انه لا يعني إنهاء العمليات العسكرية بسوريا حيث قال الكرملين أنّ الغارات ضدّ التنظيمات الإرهابية ستستمر- الاّ أنّ الكثير من التّحليلات ذهبت إلى اعتبار خطوة موسكو بمثابة ضغط وتهديد لنظام بشّار الأسد للرضوخ إلى مفاوضات جينيف 3 والقبول بالنقاط المطروحة فيه خاصة بعد تصريح وزير الخارجيّة السوري وليد المعلم من أن بلاده «لا تقبل مناقشة مبادرة الحل الانتقالي (الانتخابات )خلال هذه المفاوضات’ معتبرا أن «بشّار الأسد خط احمر».
ويرجع البعض سبب فشل مباحثات جينيف 3 في جولتها الأولى، الى ما اعتبروه تفاوتا في موازين القوى بين الطرفين واستقواء نظام الاسد بالدعم الجوي الروسي الذي اكسبه تقدّما واضحا على الميدان ، وبالتالي جاء القرار الروسي بسحب قواته كورقة ضغط على الأسد للقبول بالتفاوض مع المعارضة ، سيما وأنّ المرحلة الحالية وتطورات المشهد السوري ، فرضت تفاهمات وتنازلات مُلحّة على الأطراف الفاعلة في الملفّ السوري ، لضمان الدفع نحو إرساء حلّ سياسي هناك من جهة ، وتحقيق أهداف تخدم مصالحها الداخلية من جهة أخرى.
ويرى البعض الآخر أنّ الفترة الأخيرة لم تخل من خلافات – معلنة وغير معلنة - بين التحالف التقليدي موسكو- طهران ودمشق ،نتج عنه قيام روسيا بسحب قواتها العسكرية من سوريا، خاصة وأن بعض الاتجاهات داخل إيران باتت تشير إلى أن التدخل الروسي في الصراع السوري أدى إلى تقليص نفوذ إيران في سوريا، مستشهدين بتصريح للرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال في وقت سابق أنّ «علاقات إيران وروسيا لا تخلو من التناقضات». كما شهد أيضا خلافات روسية غربية ، بخصوص الأزمة الأوكرانية نتج عنها دخول موسكو في شبه عزلة اقتصادية بسبب العقوبات الغربية التي فرضت عليها، حيث اعتبر مراقبون أن هذه الخطوة يمكن أن تدخل في سياق بحث موسكو عن مخرج لها من هذه العزلة المفروضة عليها وذلك عبر تقديم تنازلات في المعادلة السورية.
قرار مفاجئ
من جانبه قال الباحث والمحلّل السياسي الأردني عامر السبايلة في تصريح لـ’المغرب’ ان القرار الروسي كان مفاجئا بلا شكّ ، على الصعيد التكتيكي اللوجستي، لكنه ليس مفاجئا على الصعيد السياسي وتحديدا جينيف 3 وضرورة إنجاحه ، بالإضافة إلى ضرورة انصياع الجميع لما سيتمخض عن جينيف 3 على حدّ تعبيره.
وأشار السبايلة إلى أنّ الهدف من وراء هذا القرار هو محاولة لمعادلة القوة على الأرض في سوريا، وإعادة الجميع إلى نفس المستوى.وتابع محدّثنا :«ماقام به الروس اليوم يصب في خانة ضرورة إنتاج الحل السياسي المتفق عليه بين واشنطن وموسكو ، ويحمل بالأساس أسبابا عدّة أهمها استصدار قرارين دوليين كمرجعية أساسية للحلّ في سوريا ، ثانيا وقف إطلاق النار والهدنة الصامدة إلى اليوم، وانضمام العديد من الفصائل المسلحة إليها ، ثالثا وضع إطار للحل السياسي والعمل على الدفع نحو خطوة متقدمة في المسار التفاوضي».
وأشار السبايلة إلى أنّ الخيار الوحيد أمام الجمع في سوريا اليوم هو المضي قدما في المفاوضات ،وتقديم التنازلات خدمة للحلّ السياسي هناك ،معتبر أن حجر العثرة واضح وهو تعطيل المفاوضات السابقة والطريقة الاستعلائية التي تم التعامل بها في المباحثات الأولى لجينيف 3 .
وعن الأنباء المتداولة –وغير المؤكدة- بخصوص سحب «حزب الله» لعدد من مقاتليه في سوريا ، اجاب المحلل السياسي الاردني أنه ليس هناك معلومات أكيدة عن انسحاب ‘حزب الله’ مضيفا ان وقف إطلاق النار برعاية دولية هو بمثابة انسحاب للجميع من الميدان السوري .
روسيا والملف الليبي
على صعيد آخر تعالت في الآونة الأخيرة ، التخمينات حول قرب تدخل عسكري غربي في ليبيا لضرب تنظيم ‘داعش’ على غرار ماحصل في سوريا ، رأى مراقبون ان الخطوة الروسية الأخيرة ، تتعلّق بدورها بالتطورات التي تشهدها ليبيا ، حيث اعتبر المحلل السياسي الليبي عبيد احمد الرقيق في تصريح لـ»المغرب» انّ التفاهمات السياسية بين الكبار اقتضت انسحابا مفاجئا للروس من سوريا وتبادلا للأدوار . وأشار محدّثنا إلى انّ الخلاف البريطاني الفرنسي حول الملف الليبي والخلاف اﻻمريكي الفرنسي حول إفريقيا هو مادفع واشنطن إلى إدخال الروس من باب المصالح وتبادل اﻻدوار وفق تعبيره. وتابع محدّثنا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية متفقة مع ايطاليا حول ليبيا، وهي تبحث عن شريك في الملف الليبي ،يبدو أنها وجدته في روسيا ،مضيفا ان تصريحات وزير خارجية روسيا بان
بلده على استعداد للتدخل في ليبيا اذا طلب منها مجلس اﻻمن ما يؤيد هذا التوجّه مضيفا ان الصراع القديم المتجدد بين أمريكا وفرنسا حول إفريقيا وخلاف بريطانيا مع فرنسا حول الملف الليبي لم يوفرا أرضية مشتركة للتدخل عسكريا في ليبيا، وتابع انه أمام خطورة تمدد التطرف والإرهاب في ليبيا وإفريقيا والرغبة السريعة في مواجهته، دفعت الأطراف الى قبول دور روسي مرتقب في ليبيا خاصة بعد نجاح الروس في سوريا، ليأتي ذلك في شكل تفاهم سياسي تحت الطاولة بين أمريكا وروسيا وتبادل للأدوار وفق مصالح مشتركة للطرفين.
وأشار محدّثنا إلى انّ الزيارة المرتقبة لرئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج إلى موسكو مرتبطة أيضا بهذه التطورات ، متابعا أنها الزيارة ستنفي أو ستؤكّد الدور الروسي المحتمل في ليبيا.