لا تبدو العلاقة بين الهياكل الرئيسية الفاعلة في منظومة التعليم العالي في أحسن احوالها، والخلاف بخصوص القانون الإنتخابي للجامعات التونسية كان احد تمظهرات أو إنعكاسات تلك العلاقة التي تفتقر للوضوح والحد المطلوب من المصداقية والتشاركية في إدارة الشأن الجامعي بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من جهة ورؤساء الجامعات، او على الاقلّ 11 رئيسا من جملة الـ13 المكون لندوة رؤساء الجامعات.
فبعد تلويح غالبية رؤساء الجامعات التونسية بمقاطعة كل نشاطات الوزارة بسبب ما رأوا فيه تجميدا لمجلس الجامعات، وفي 13 جوان الجاري انعقدت جلسة عمل بين 11 من رؤساء الجامعات ووزير التعليم العالي والبحث العلمي بخصوص الخلاف المتعلّق بالأمر الانتخابي للهياكل العلمية والبيداغوجية ومديري وعمداء المؤسسات الجامعية ورؤساء الجامعات ولكن لم تكن كافية لإزالة الإشكاليات او تحفّظات رؤساء الجامعات.
ولم يكن تحفّظ الـ11 عضوا على فحوى الجلسة فقد ادت نظريا الى إزالة الخلافات المتعلّقة بالامر الإنتخابي وفتحت باب النقاش في كل جوانب العملية الإنتخابية، إذ قدم وزير التعليم العالي في تلك الجلسة نسخة منقحة من مشروع الامر الإنتخابي التي وقع تضمينها مقترحات رؤساء الجامعات الـ11 التي تصبّ عكس ما تضمّنته النسخة التي إقترحها الوزارة كتنقيح للامر الإنتخابي الحالي.
فرؤساء الجامعات يرفضون أساسا مشروع الامر الذي طرحته الوزارة والذي يجعل العملية الإنتخابية في الجامعات التونسية مباشرة في ما يتعلّق بإنتخاب رؤساء الجامعات عبر المجالس العلمية للمؤسسات التابعة لكل جامعة عوض إنتخابه من طرف مجلس الجامعة ولكن في المقابل سحب الثقة يكون من طرف مجلس الجامعة، وهو ما يرفضه رؤساء الجامعات لتناقضه من جهة وتجريده لمجلس الجامعات من دوره الإنتخابي، كما يرفض رؤساء الجامعات تمكين رؤساء الأقسام أيضا من إنتخاب العميد والمدير.
وخلال جلسة 13 جوان وفق ما أكده رئيس جامعة منوبة حسن باشا لـ»المغرب» عرض وزير التعليم العالي نسخة منقحة من الامر الإنتخابي وتتضمن تنصيصا على: إنتخاب رؤساء الجامعات من طرف مجلس الجامعة والإبقاء على إنتخاب العمداء والمديرين من طرف الأساتذة والأساتذة المحاضرين والأساتذة المساعدين وإلغاء مقترح الترشّح ضمن قائمات، بمعنى ان تحفّظات رؤساء الجامعات على التنقيحات التي تريد الوزارة إدخالها على القانون الإنتخابي قد إنتفت ولكن الإشكالية الأعمق لا تزال قائمة.
الغموض وغياب التشاركية...
بعد جلسة 13 جوان أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بيانا أوردت فيه انه وقعت «إعادة قراءة القانون فصلا فصلا والمصادقة عليه بالإجماع كما تم التعرض لنص المنشور التكميلي للأمر ولرزنامة الإنتخابات التي سيقع الإعلان عنها حالما يصدر الأمر القانوني الجديد الذي هو الآن في مرحلته الأخيرة لدى المحكمة الإدارية»، وهنا تكمن الإشكالية الأعمق بين رؤساء الجامعات وزارة التعليم العالي.
فنص البيان الصادر عن الوزارة لم يذكر ان النسخة التي وقع عرضها على رؤساء الجامعات الـ11، نسخة منقحة وفق مطالبهم كما في ذكر أن القانون الإنتخابي بلغ مرحلته الأخيرة وهو لدى المحكمة الإدارية جعل الغموض يكتنف الملفّ ويعيد إشكالية المصداقية والسياسة الإتصالية للوزارة مرة أخرى بإعتبار ان الامر الإنتخابي الذي أحالته الوزارة على رئاسة الحكومة والتي بدورها أحالته على المحكمة الإدارية هو الذي يتضمّن التنقيحات التي يرفضها رؤساء الجامعات والذي لم يُعرض على مجلس الجامعات أصلا للمصادقة عليه قبل إحالته على رئاسة الحكومة وهو ما يحيل على إشكالية أخرى.
تلك الإشكالية كما يصفها رئيس ندوة رؤساء الجامعات حميّد بن عزيزة في تصريح لـ»المغرب» هي غياب التشاركية وتجميد مجلس الجامعات وإرادة انفرد الوزارة بالقرار وإلغاء دوره في تسيير الشأن الجامعي سواء تعلّق بالإنتخابات او غيرها، فمنذ تولي وزير التعليم العالي سليم خلبوس لم ينعقد مجلس الجامعات سوى 3 مرات في حين انه من المفترض ان ينعقد كل شهر تقريبا وكلما دعت الحاجة، كما ان اول إجتماع له منذ تولي سليم خلبوس الوزارة كان في 28 ديسمبر في حين انه من المفترض ان يكون اول إجتماع يعقده الوزير فور تسلمه وزارة التعليم العالي.
على كل حال من المنتظر ان ينعقد مجلس الجامعات يوم 21 جوان الجاري للنظر في عديد المسائل وعلى رأسها الأمر الإنتخابي والمنشور المكمل له بالإضافة الى الرزنامة الإنتخابية وهو مفتوح على كل الإحتمالات فكما يمكن ان يفضي الى إزالة الخلافات بخصوص الامر الإنتخابي وكل العملية الإنتخابية في الجامعة التونسية كما يمكن ان ينتج تفعيل أغلب رؤساء الجامعات لمقاطعة كل أنشطة الوزارة الذين لوحوا به في رسالة وجهتها الى وزير التعليم العالي في 9 جوان الجاري.