اليوم بأكمله لإحياء الذكرى الثامنة لاندلاع الثورة التونسية. وتحدث نواب الشعب عن أهمية الثورة في أمسيه كاملة ووجه أغلب النواب عن مختلف الكتل تقريبا انتقادات لما اعتبروه الحياد عن أهداف الثورة وغياب الإرادة السياسية لتحقيقها.
انطلقت الجلسة العامة بحضور 76 نائبا، حيث كان من المفروض أن تتم مناقشة مشروع قانون يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، الذي كان من المفروض أن تنظر فيه جلسة أول أمس إلا أن البرلمان لم يتمكن من ذلك لغياب النصاب القانوني، وتطرقت بداية الجلسة العامة، تطرقت إلى حادثة اغتيال الشهيد خالد الغزلاني بعد تلاوة الفاتحة، حيث انتقد نواب الشعب التهاون في توفير الحماية له على إثر التهديدات التي طالته منذ سنة 2016، كما طالب البعض بتخصيص جلسة من أجل الحديث عن ذكرى اندلاع الثورة.
تخصيص جلسة عامة في الغرض
وفي هذا الإطار، عقد رؤساء الكتل وأعضاء مكتب المجلس اجتماعا للنظر في روزنامة عمل المجلس، كما تم الاتفاق على إعطاء الكلمة لممثلي الكتل للحديث عن ذكرى اندلاع الثورة وشرارتها الأولى بسيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010، قبل الانطلاق في مناقشة مشاريع القوانين. النقطة المتعلقة بتخصيص الفترة الأولى من الجلسة الصباحية للحديث عن ذكرى الثورة، تغافل عنها المجلس في البداية، إلا أنه بعد تذكير رؤساء الكتل لرئاسة البرلمان، بضرورة الأخذ بعين الاعتبار الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة. أصدر البرلمان بيانا بهذه المناسبة أكد من خلاله على التزامه بالدفاع عن القضايا التي من أجلها قامت الثورة وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية والشغل والتنمية ومقاومة الفساد. كما أعرب المجلس عن تمسّكه بانجاز استحقاقات الثورة وتحقيق أهدافها، ولاسيما من خلال تجسيم المبادئ التي رسمها دستور تونس الجديد، داعيا كافة التونسيين إلى مزيد اللحمة والتكاتف ومضاعفة الجهد ومزيد اليقظة من اجل التصدي لمخاطر الإرهاب بما يمكّن من مجابهة التحديات وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية .
تجربة مهمة ولكن..
ممثلو الكتل البرلمانية عبروا أن أهمية التجربة التونسية بعد الثورة بالرغم من عدم تحقيق أهداف الثورة المتمثلة أساسا في الشغل والحرية والكرامة. وقال رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري أنه مهما حصل خلال المسيرة والمسار من نقائص وأخطاء ومنعرجات، يجب الجزم بأن الشعب أنجز ثورة عظيمة، باعتبار أن الثورة أفرزت بديلا عن عائلة حاكمة فاسدة، على غرار أنها ساهمت في أن يكون الخيار الوطني جامعا وموحدا. كما بين أن الثورة حققت مكاسب في الديمقراطية من بينها الانتخابات وحرية التعبير، لذلك يجب العمل على تجاوز الفتنة والخلافات والخطابات المحرضة من اجل تحقيق المطالب الشعبية التي أهمها الحدّ من البطالة والحدّ من التمييز بين الجهات والأشخاص.
انتقادات وحياد عن الأهداف
في المقابل، انتقد بعض النواب تقصير الحكومة في الإحاطة بالمناطق الداخلية خاصة منها التي لعبت دورا هاما في انطلاق الثورة في إشارة إلى ولاية سيدي بوزيد، حيث قال أحمد الصديق رئيس كتلة الجبهة الشعبية أن تاريخ 17 ديسمبر 2010 ناضلت من أجله أجيال، دون أن يتزعمه أي طرف كان، وكسر فيه أبناء سيدي بوزيد حاجز الخوف، بالرغم من أن النظام حاول التكتّم عن هذه الانتفاضة. وأضاف أن آلة القمع عجزت عن إيقافهم لتنتشر على إثرها الاحتجاجات في جميع مناطق البلاد، مشددا في نفس الوقت على ضرورة الوفاء لهذا الشعب، من خلال مواصلة العمل لتحقيق المطالب الأصلية التي تتلخص في الشغل والحريّة والكرامة الوطنية.
نواب المعارضة انتقدوا الائتلاف الحاكم الذي اعتبروا انه حاد عن أهداف الثورة حتى أن البعض وصفوه بأتباع الردة عن الثورة، كما استغربوا من مرور 8 سنوات عن ذكرى الثورة ولا تزال نفس القضايا تراوح مكانها، خاصة وأن تونس مقسومة بين تونس المحرومة والمهمّشة وتونس الأخرى التي ينعم فيها الأشخاص بالرفاهية. وقال رئيس الكتلة الديمقراطية سالم لبيض ان الشعوب لا تحتفل بالسقوط والاستبداد وإنما بالانتفاضة والثورات، معتبرا أن الخيانات الحاصلة حاليا تتحملها النخب التي ما تنفك تزور السفارات الأجنبية حتى أنها عطلت تحقيق أهداف الثورة. وبين أن المنظومة القديمة عادت بقوة لتتصدر المشهد من جديد، واتهم الأحزاب الحالية بالخيانة وعدم الاهتمام بمشاغل الشعب واهتماماته، محذرا من انهيار التجربة الديمقراطية.
أغلب التدخلات خلال الجلسة العامة، من قبل نواب المعارضة تحولت من خطابات لتمجيد الثورة إلى فرصة لتحميل المسؤوليات وتبادل التهم لما اعتبره البعض من محاولات لقمع الحريات من قبل السلطة. وتحدث النائب عن كتلة الولاء للوطن نذير بن عمو بدوره عن مسار العدالة الانتقالية في علاقة بهيئة الحقيقة والكرامة، ليتطرق في ما بعد إلى الأزمة التي تمر بها البلاد اقتصادي واجتماعية على غرار الأزمة في التعليم وهجرة الكفاءات إلى الخارج وإقصاء الشباب في ظل وجود صراع سياسي بين مختلف الأطراف.
مهرجان خطابي
تشابهت التدخلات في مضمونها وانتقاداتها مما جعل مصطفى بن أحمد رئيس كتلة الائتلاف الوطني يعتبر أن الجلسة تحولت إلى مجرّد مهرجان خطابي بالرغم من أهمية الذكرى، معتبرا أن الثورة مرحلة إعادة تشكل لكنها في نفس الوقت لا تعتبر مرحلة جنة لأنها تفتح الباب أمام الجديد وبحاجة إلى مزيد من العمل من أجل تحقيق الأهداف المنشودة منها. واعتبر ان الثورة ساهمت في بروز زعامات وهمية من خلال خطاباتها في حين أن مشروعها السياسي غائب تماما، . كما انتقد غياب المشروع السياسي والمجتمعي في الوقت الراهن، معتبرا أن الوضع بين توجه مزايد نسبيا وبين توجه لبخس الثورة. وقال صلاح البرقاوي النائب عن كتلة الحرة لمشروع تونس بدوره أنه كان من المفروض على مجلس نواب الشعب أن يبعث الأمل للشعب، الذي أفرزه بصندوق انتخابات 2014 نتيجة إرادة الشعب الذي يجب احترام اختياراته. كما تحدث في مداخلته عن بعض المواقف الناقدة للطبقة الحاكمة والنخبة الحالية، مشددا على أن النقائص الحالية يجب العمل على تفاديها في المستقبل.
اجتماع لجنة الأمن والدفاع
كما عقدت لجنة الأمن والدفاع اجتماعا للنظر في برنامج عملها الخاص بالدورة النيابية الخامسة 2018 - 2019، والنظر في المستجدات المتعلقة بعملية الاغتيال التي طالت الشهيد خالد الغزلاني في منطقة سبيبة من ولاية القصرين بعد عملية السطو والسرقة لإحدى الفروع البنكية بالمنطقة. هذا وقد أجمع النواب على وجوب إرجاء أشغال اللجنة إلى يوم الاثنين القادم أو إلى ما بعد انقضاء أسبوع الجهات والالتحاق بالجلسة العامة لمتابعة النقاش المتعلق بالنظر في قانون الإرهاب و تبييض الأموال مع التأكيد على مكتب المجلس بعدم تخصيص جلسات عامة تزامنا مع انعقاد اللجنة في بداية الأسبوع القادم.
مواصلة مناقشة مشروع القانون
وفي الجلسة المسائية، انطلق نواب الشعب في النقاش العام المخصص لمشروع تنقيح قانون مكافحة الإرهاب. وانتقد نواب الشعب تعريف جريمة غسل الأموال صلب مشروع القانون إذ اعتبره النائب عن كتلة حركة نداء تونس محمد الفاضل بن عمران خلطا بين الجرائم المالية العادية وبين الجرائم ذات الطابع الإرهابي. كما اعتبر أنه لا يجب معاقبة الذات المعنوية أي الشركات إذ سينجر عن ذلك غلقها دون أن تسدد ديونها وإنما يجب معاقبة الشخص. كما تطرق بين عمران إلى موضوع السر المهني بالنسبة للمحامين، حيث اعتبر أنه من غير المعقول أن يكون المحامي مخبرا لدى لجنة التحاليل المالية، مطالبا بأن يشمل هذا الإجراء المحاسبين أيضا. وعلى إثر نهاية النقاش العام، ستشرع لجنة التوافقات النظر في مقترحات التعديل المقدمة من قبل الكتل البرلمانية.