مشاريع قوانين تبدو مهمة من أجل استكمال البناء الديمقراطي ومن بينها القوانين المتعلقة بالانتخابات والهيئات الدستورية. لكن في نفس الوقت لم تكن سنة 2017 سهلة على المجلس الذي عاش عديد الأزمات في علاقته بالحكومة أو في ما يعرف بالتوافق بين الكتل البرلمانية الذي تسبب في بعض الأحيان في تعطيلات على مستوى الجلسات العامة.
تعتبر سنة 2017 من الأعوام المثيرة في مجلس نواب الشعب، سواء من حيث الحصيلة التشريعية أو مختلف الأحداث والأزمات التي عرفتها في علاقتها بالحكومة، أو حتى تغير المشهد البرلماني من خلال ولادة كتل جديدة وتغير التمثيليات والتوازنات داخل قبة البرلمان. تغير التمثيليات في البرلمان، جاءت في البداية مع تواصل نزيف الاستقالات صلب كتلتي حركة نداء تونس من جهة وكتلة الحرة لمشروع تونس، الأمر الذي سهّل ولادة الكتلة الوطنية في أواخر شهر ماي لتكون الكتلة رقم 8 في المجلس وتضم 9 نواب. كما سجلت سنة 2017 أول استقالة في صفوف كتلة حركة النهضة، وهو النائب نذير بن عمو، إلى جانب تشكيل لما يعرف بالجبهة البرلمانية الوسطية والتي تضم كلا من نواب الكتلة الحرة و كتلة افاق تونس ومعظم نواب الكتلة الوطنية وعدد من نواب نداء تونس و بعض النواب المستقلين في شهر نوفبمر ساهمت نوعا في بروز أول بوادر تغيير المشهد السياسي في البرلمان.
مشاريع هامة..
لكن بالرغم من هذا التذبذب على مستوى المشهد البرلماني، إلا أن مجلس نواب الشعب تمكن من المصادقة على عديد مشاريع القوانين الهامة خلال السنة، ومنها المشاريع التي وصفت بالثورية. ولعل أهم هذه المشاريع انطلقت بداية من غرة فيفري حين صادق البرلمان على قانون مراجعة الامتيازات الجبائية بهدف تكوين الاستثمارات الداخلية والخارجية، بالتزامن مع المصادقة على المخطط التنموي 2016 - 2020 يوم 12 أفريل، والعمل على تنقيح بعض أحكام مجلة المحروقات يوم 18 أفريل. وفي أواخر السنة تمت المصادقة على مشروع قانون يتعلق بمشروع قانون المالية لسنة 2018، بعد المصادقة على قانون المالية التكميلي لسنة 2017، الذي اعتبرته الحكومة من المشاريع الحاملة لاصلاحات اقتصادية واجتماعية خصوصا في ما يتعلق بالجباية.
في إطار محاربة الفساد
وفي إطار إعلان الحكومة الحرب على الفساد، سارع مجلس نواب الشعب يوم 21 فيفري بالمصادقة على قانون التبليغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه. كما تمت المصادقة يوم 19 جويلية على قانون يتعلّق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى إعلانه بعض الإصلاحات من خلال المصادقة يوم 13 سبتمبر على قانون يتعلق بإجراءات خاصة المصالحة في المجال الإداري بعد تعديل النسخة الأولى الصادرة من قبل رئاسة الجمهورية التي لم تحظ بالتوافق حينها.
جملة من الإصلاحات
كما سعى المجلس إلى إدخال بعض الإصلاحات في مختلف المجالات من بينها في ميدان التعليم، حيث صادق يوم 28 فيفري على قانون يتعلق بتدابير خصوصية لتكريس إجبارية الالتحاق بالتكوين المهني الأساسي، وكذلك في ما يتعلق بالوقاية حين فشلت لجنة التشريع العام في المصادقة على مشروع قانون مقدم من قبل رئاسة الجمهورية حيث سارع المجلس بالصادقة على تنقيح بسيط في انتظار التوافق على المشروع المذكور وذلك يوم 25 أفريل من خلال تنقيـح القـانون عدد 52 لسنة 1992المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات. وبهدف فك معضلة المجلس الأعلى للقضاء، صادق المجلس يوم 28 مارس على تنقيح القانون عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 افريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء. وبهدف إصلاح الإدارة في علاقة بالصناديق الاجتماعية والأزمة التي تمر بها، فقد صادق البرلمان يوم 13 جوان على قانون يتعلق بضبط أحكام استثنائية للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية في قطاع الوظيفة العمومية.
في مجال الحقوق والحريات
ومن بين أهم المشاريع كذلك في مجال الحقوق والحريات، القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، المصادق عليه يوم 24 جويلية، على غرار المصادقة يوم 23 ماي على قانون يتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 40 لسنة1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلق بجوازات ووثائق السفر. وفي إطار تطوير أداء الهيئات الدستورية وتوحيد النصوص القانونية، صادق المجلس في نفس الشهر على قانون أساسي يتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة، ثم على قانون بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وضبط مشمولاته وكيفية تسييره يوم 11 جويلية.
الانتخابات البلدية
وفي إطار الاستعداد للانتخابات البلدية، صادق المجلس يوم 31 جانفي على القانون المتعلق بتنقیح واتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، في انتظار المصادقة على مجلة الجماعات المحلية وإرساء قواعد السلطة المحلية خلال سنة 2018، بالتزامن مع إجراء الانتخابات البلدية والجهوية.
لجان التحقيق
من جهة أخرى، فقد سعى مجلس نواب الشعب في إطار دوره الرقابي إلى إحداث لجان تحقيق منها ما تم رفضه ومنها ما تم قبوله، حيث تمت المصادقة يوم 11 جويلية على إحداث لجنة تحقيق للتقصي حول ملابسات أحداث تطاوين على خلفية أحداث ما يعرف بـ»الكامور». لكن قبلها تمت المصادقة على أول لجنة تحقيق في سنة 2017 وذلك يوم 31 جانفي وهي لجنة تحقيق حول شبكات التجنيد التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال، مقابل رفض تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في شبهة الفساد الإداري والمالي لرئيسة هيئة الحقيقة والكرامة يوم 17 جانفي. هذا وقد صادق المجلس بالرفض يوم 19 جويلية على مشروع لائحة من أجل المطالبة على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية العربية.
منح الثقة..
وفي علاقة بالحكومة، فقد منح نواب الشعب الثقة يوم 16 مارس في إطار عملية سد الشغور إلى كل من عبد اللطيف حمام، كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة مكلف بالتجارة، وأحمد عظوم وزير الشؤون الدينية. ومع بداية شهر سبتمبر في اليوم التاسع منه، أقر رئيس الحكومة يوسف الشاهد تحويرا وزاريا تمت المصادقة عليه لكل من وزراء الدفاع، الداخلية، المالية،التنمية ،التربية، الصحة. لكن مع وفاة وزير الصحة فقد تم إجراء تحوير جزئي يوم 24 نوفمبر تمت منح الثقة حينها إلى عماد الحمامي وزيرا للصحة، وسليم الفرياني وزيرا للصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.
سد الشغور في الهيئات الدستورية
كما تمكن مجلس نواب الشعب من سد الشغور صلب الهيئات الدستورية، وأهمها المصادقة على سد الشغور بعضوية هيئة الحقيقة والكرامة يوم 20 جوان، ثم سد الشغور صلب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على مراحل نتيجة أزمة توافق بين مختلف الكتل حيث امتد مسلسل الهيئة في قبة البرلمان منذ 31 جويلية إلى غاية 14 نوفمبر، حيث تم في جلسة يوم 29 جويلية انتخاب فاروق بوعسكر في صنف القضاء العدلي، ثم مع استئناف المجلس أعماله قبل انتهاء العطلة البرلمانية، تم انتخاب كل من نجلاء ابراهم وأنيس الجربوعي ليحتد الصراع على سلسلة من الجلسات الانتخابية حول كرسي الرئاسة الذي آل في الأخير إلى
محمد التليلي المنصري.
سنة 2018 قد تكون صعبة أمام مجلس نواب الشعب بالنظر إلى التحديات المطروحة خلال المدة القادمة، أهمها تهيئة مناخ ملائم لانجاز الانتخابات البلدية، واستكمال تركيز الهيئات الدستورية وسد الشغور صلبها. هذا كله مع وجود بوادر جديدة لتغير المشهد البرلماني ومراجعة سياسة التوافق خصوصا بين كتلتي حركة النهضة ونداء تونس مما قد يصعب المسؤوليات في البرلمان.