أبرز النقاش العام بين نواب الشعب في الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2018، الكتل المساندة للمشروع ومن يرفضه وحتى من يتحفظ عليه، مع تسجيل موقف آفاق تونس القريب من المعارضة. كما ناقشت الجلسة مسألة تصنيف تونس كجنة تهرب ضريبي، ومدى تأثيرها على المستقبل الاقتصادي التونسي في الخارج وعلاقتها بالاتحاد الأوروبي. وينطلق مجلس نواب الشعب في المصادقة على فصول مشروع القانون، مع عرض مقترحات التعديل التي من المنتظر أن تتهاطل بغزارة خصوصا من قبل كتل المعارضة.
بعد انتهاء مجلس نواب الشعب من المصادقة على أبواب الميزانية، انطلقت الجلسة العامة يوم أمس في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2018، بحضور وزير المالية رضا شلغوم. الجلسة العامة أبرزت مدى رضا الكتل البرلمانية من عدمها على النسخة المعدلة من قبل لجنة المالية والتخطيط والتنمية لمشروع قانون المالية، حيث انقسمت الكتل إلى ثلاثة مواقف أساسية، الموقف الأول المتمثل في الرضا التام لما تضمنه مشروع القانون وأبرزهم كتل حركة نداء تونس، وبنسبة أقل في الموقف الثاني حركة النهضة وكتلة الحرة لمشروع تونس والاتحاد الوطني الحر، أما الموقف الثالث وهو بغير الجديد حسب نتائج التصويت لمشروع القانون صلب أشغال اللجنة الرفض لمشروع القانون من قبل نواب المعارضة وهي كتلة الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية ومعها كتلة آفاق تونس الممثل في حكومة الوحدة الوطنية.
انتقاد لموقف الاتحاد الأوروبي
لكن قبل الدخول إلى مواقف الكتل بخصوص مشروع قانون المالية، فقد شكل موضوع تصنيف الاتحاد الأوروبي لتونس ضمن القائمة السوداء للجنّات الضريبية أبرز تدخلات نواب الشعب خلال النقاش العام من قبل مختلف الكتل. الجلسة العامة تقريبا تبنت نفس الموقف، حالة من الاستياء والانتقادات طالت الاتحاد الأوروبي بما أنه يعتبر شريكا متميزا لتونس، على غرار ما اعتبره النائب عن الاتحاد الوطني الحر طارق الفتيتي زيارة رئيس البرلمان الأوروبي مؤخرا لتونس والتي أكد فيها في جلسة عامة ممتازة سعي الاتحاد لمواصلة دعم تونس في كافة المجالات. في حين استغلت بعض الكتل الظرف من أجل التعرف على تداعيات هذا التصنيف على الاقتصاد والمديونية والسياسة الاقتصادية الخارجية خصوصا من قبل المعارضة، حيث طالب النائب نعمان العش بمعرفة تداعيات هذا التصنيف على الاقتصاد بالتزامن مع بعض التصريحات المنادية بتداعياته على نسب المديونية، وكيفية الرد على الاتحاد.
النهضة تدافع عن المنتوجات التركية
لكن في المقابل، فقد استغلت كتلة حركة النهضة الموقف نوعا ما من أجل تبرير موقفها الداعم لتركيا على خلفية الإجراءات المعلنة بمشروع قانون المالية والقاضي بضبط المعاليم الديوانية بالنسبة للمنتوجات التركية في علاقة باتفاقية تجارية بين البلدين. حركة النهضة وإن لم تبد موقفها رسميا، إلا أن تدخلات نوابها أوضحت مدى رفضها لهذا الإجراء، حيث قال النائب زهير الرجبي أن ما أصدره الإتحاد الأوروبي كان مفاجئا باعتباره الشريك الأول لتونس، مشيرا إلى أن تركيا قد تكون وجهة لتصدير المنتوجات التونسية. في حين اعتبر النائب رمزي بن فرج أن إلغاء اتفاقية التبادل الحر مع تركيا لن يكون حلاّ خصوصا وأنه لم يتم تقديم دراسة في الغرض، مطالبا بضرورة التعامل مع كل الشركاء تعاملا عادلا خاصة بعد التصنيف الأخير لتونس من قبل الاتحاد الأوروبي.
بين المساندة وبعض التحفظات
من جهة أخرى، دعت كتلة حركة نداء تونس بكافة نوابها إلى التصويت لفائدة مشروع قانون المالية، كالنائب البشير بن عمر باعتباره سيخلق مواطن شغل جديدة ويساهم في دفع الاقتصاد. في حين وإن دافع البعض على مشروع القانون، إلا أنهم قدموا في نفس الوقت بعض الاحترازات والمقترحات خصوصا في ما يتعلق بالأداء على القيمة المضافة، الذي اعتبروه لا يزال يعيق تحقيق العدالة الجبائية. واعتبرت النائبة أميرة الزوكاري أنه في الظروف الراهنة وعملا بمبدأ تقديم المصلحة العامة، فإنه يجب مساندة مشروع القانون الحالي.
حركة النهضة يبدو أنها غير راضية تماما على عديد الفصول، حيث قالت النائبة هالة الحامي أن الفصل 28 المتعلق بالأداء على القيمة المضافة فيه شيء من الخطورة، مشددة على ضرورة تعريف المؤسسات الصغرى والمتوسطة في علاقة بالفصل 14 المتعلق بإحداث خطّة دعم لإحداثها. واعتبرت الكتلة أن مشروع قانون المالية بمثابة خلاصة عمل تشاركي شاركت فيه جميع الكتل النيابية، لكن التحدي الأكبر يكمن بالأساس في مراقبة الإجراءات والإصلاحات حتى لا تبقى حبرا على ورق. وقال النائب سليم بسباس أن نسب المديونية في ارتفاع متواصل بالرغم من وعي الحكومة، حيث من الضروري بذل المجهود اللازم حتى لا يتم بلوغ نسبة الـ 100 %من نسبة المديونية في سنة 2020. وأضاف أن الجباية كانت تدرّ 11 مليار دينار في 2010، وفي 2017 تأتي بـ 22 مليار دينار ، في المقابل فإن قانون المالية لسنة 2018 يسعى إلى ترفيعها إلى 23،5 مليار دينار.
المعارضة ترفض..
المعارضة أبدت رفضها التام لمشروع القانون باعتباره يمس من القدرة الشرائية للمواطن إلى جانب أنه مبني على فرضيات غير واقعية الأمر الذي يجعلها تستعد لتقديم عديد مقترحات التعديل. وقال رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق أن قانون المالية يأتي بإجراءات لا مثيل لها على غرار الترفيع في المواد الأساسية، حيث سيساهم في ضرب آليتين من آليات التنمية والمتمثلان في الاستهلاك والاستثمار، لذلك ستقدم الجبهة العديد من التعديلات. كتل المعارضة شككت في قانون المالية والأهداف المرجوة منه والتي أعلنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في بيانه أمام البرلمان حول مشروع القانون، حيث قال النائب عماد الدائمي أن المشروع المعروض لا يعتبر قانونا جديّا، باعتباره قائما على فرضيات غير واقعية كسعر برميل النفط ونسبة الصرف وفرضية ارتفاع الاستثمار، بالإضافة إلى أن نسبة النمو المقدّرة هي في الأصل نسبة خاطئة ولا يمكن تحقيقها.
آفاق تونس تلبس جبة المعارضة
الجديد في الأمر أن كتلة آفاق تونس انضمت الى صفوف المعارضة من خلال موقفها حول مشروع القانون، بالرغم من أنها ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية، حيث قال النائب حافظ الزواري أن المشروع المعروض ليس قانونا للجمهورية التونسية وإنما هو قانون للمجموعة الأوروبية الاقتصادية. لكن النائبة ريم محجوب حاولت تفسير موقف كتلتها من خلال تدخل مطول نسبيا، حيث قالت أن نجاح الحكومة هو نجاح لتونس ومن الواجب تنبيه الحكومة الى أنها في الطريق الخطأ. وأضافت أنه في ظل التوقعات غير الجديّة التي بني عليها قانون المالية، أصبح من البديهي إيجاد قانون مالية تكميلي لسنة 2018، إلى جانب أن الإصلاحات التي شرعت فيها الحكومة في 2016 وقع التراجع فيها. كما بينت أن الإجراءات المتخذة في قانون المالية لسنة 2018 سيمسّ من القدرة الشرائية للمواطن والمؤسسة.
بوادر للتعافي الاقتصادي
ومع انتهاء النقاش العام، حاول وزير المالية رض شلغوم إقناع نواب الشعب بأهمية مشروع القانون على مستوى الإصلاحات والإجراءات المتخذة، حيث اعتبر أن البوادر الحالية للتعافي الاقتصادي من شأنها أن نحقق نسبة نموّ بـ 3 %، باعتبار أن المشروع وضع اعتمادات بمقدار 100 م.د لمساعدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، إضافة إلى ان صندوق الجوائح الطبيعية يضم جانبا اجتماعيا فضلا عن الجانب الاقتصادي. كما أضاف أن تشجيع المؤسسات والبنوك على الانتصاب في الجهات الأقل حظا في التنمية من شأنه أن يخلق نسيجا اقتصاديا يسمح بانتداب أصحاب الشهائد العليا، على غرار إحداث صندوق ضمان للقروض السكنية لأولئك الذين لا يملكون دخلا قارا. وأكد أيضا أن قانون المالية تضمّن الإجراءات التي من شأنها تنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية، مشيرا إلى أن المديونية بلغت 68 ألف م.د، لكنه يجب أن لا تتجاوز المديونية 70 %. وبخصوص تصنيف تونس من قبل الاتحاد الأوروبي، قال شلغوم أن تصنيف تونس على لائحة الجنان الضريبية لا يتماشى مع طبيعة علاقاتنا مع الإتحاد الأوروبي باعتبار أنه من الناحية التقنية لا تعتبر تونس جنة ضريبية، موضحا أنه سيتم عقد حوار في هذا الشأن.