استفاد مجلس نواب الشعب من تجربته السابقة في سد الشغور صلب الهيئات الدستورية وتجديد أعضائها، بعد تجربة أولى كانت متعثرة إثر تأخير بلغ قرابة السنة من أجل تجديد ثلث أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. مع أخذه بعين الاعتبار معضلة المجلس الأعلى للقضاء والتأخير المبالغ فيه نحو إرسائه نتيجة التجاذبات السياسية وبين الهياكل القضائية صلبه. وفي هذا الإطار يسعى البرلمان إلى إنهاء معضلة المحكمة الدستورية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات قبل نهاية السنة النيابية الحالية أي قبل العطلة البرلمانية في الفترة الصيفية بالتحديد، وذلك استعدادا للانتخابات المحلية والبلدية والتي يصعب إجراؤها دون مؤسستين هامتين كهيئة الانتخابات والمحكمة الدستورية.
البرلمان يختار 4 مرشحين
بعد طول انتظار ومع توصل مجلس نواب الشعب إلى الحسم في معضلة المجلس الأعلى للقضاء من خلال تنقيح قانونه، تمكن البرلمان من بلوغ شوط هام نحو إرساء المحكمة الدستورية بعد المصادقة على قانونها منذ 20 نوفمبر 2015 في جلسة عامة، وذلك بعد تقديم الكتل البرلمانية لمرشحيها إلى مكتب المجلس، حسب الفصل 11 من قانون المحكمة الدستورية « لكل كتلة نيابية داخل مجلس نواب الشعب، أو لكل مجموعة نواب غير منتمين للكتل النيابية يساوي عددهم أو يفوق الحد الأدنى اللازم لتشكيل كتلة نيابية، الحق في ترشيح أربعة أسماء على الجلسة العامة، على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في القانون. ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه فإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه».
السباق نحو المحكمة الدستورية يكون عبر مضمار الجلسة العامة سواء بالتوافق بين الكتل البرلمانية باعتبار وجود عديد الأسماء التي تم ترشيحها من قبل أكثر من كتلة أو أن يكون التصويت هو الفيصل في حالة وجود خلافات حول بعض الأسماء في تركيبة المحكمة الدستورية التي تتكون من 15 عضوا، منهم أربعة أعضاء ينتخبون من قبل مجلس نواب الشعب على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في الشأن القانوني، والآخر من غير الاختصاص.
توافق حول أربعة أسماء
الكتل البرلمانية اعتمدت على معايير عدة وإن كانت على حد تعبيرهم بعيدة عن التجاذبات السياسية، إلا أنهم اعتمدوا على السير الذاتية والخبرة والكفاءة في المجال القانوني والحقوقي. هذا الأمر جعل بعض الأسماء تخطو خطوة كبيرة نحو الحصول على مقعد في المحكمة الدستورية، بعد ترشيح أسمائهم في أكثر من قائمة مقدمة من قبل الكتل من بينهم المحامي العياشي الهمامي والقاضي أحمد صواب وأستاذي القانون سناء ابن عاشور وسليم اللغماني. لكن في المقابل، فإن هذه الأسماء الأربعة كلها تنصب في صنف المجال القانوني، حيث من المنتظر أن يستبعد أحدهم باعتبار أنه يجب اختيار ثلاثة فقط من هذا الصنف على أن يكون الجدل أو الخلاف حول الصنف المتبقي في مجال غير الاختصاص، وحول الإسم الذي سيتم إزاحته من السباق.
هذا وقد تقدمت كتلة الجبهة الشعبية بأسماء كل من المحامي العياشي الهمامي، والقاضي أحمد صواب وأستاذة القانون سناء ابن عاشور، وأستاذ التعليم العالي شكري المبخوت، في حين اتفقت كتلتا الاتحاد الوطني الحر والكتلة الديمقراطية بترشيح العياشي الهمامي. كما اختارت كتلة حركة النهضة كلا من الخبير في القانون فاخر بن سالم وعبد اللطيف بوعزيزي مدير المعهد العالي للحضارة الاسلامية في جامعة الزيتونة، بالإضافة إلى تقديم كتلة حركة نداء تونس التي رشحت أستاذ القانون العام سليم اللغماني والقاضية نجوى الملولي قطاطة. أما آفاق تونس فقد توجه اختيارها إلى بعض الأسماء المعروفة والمتمثلة في وزير العدل السابق محمد صالح بن عيسى والقاضي أحمد صواب والقاضية فاطمة الزهراء بن محمود. كما رشحت كتلة الحرة لحركة مشروع تونس كلا من سليم اللغماني، سناء بن عاشور، زهير بن تنفوس، ويوسف الصديق.
فتح باب الترشحات لعضوية هيئة الانتخابات
من جهة أخرى، استجاب مجلس نواب الشعب إلى مطالب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المستقيل شفيق صرصار بتسريع سد الشغور في مجلس الهيئة في ثلاثة مناصب، حيث اتفقت لجنة الفرز الخاصة بفرز الترشحات لعضوية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بفتح باب الترشحات لعضوية مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الاختصاصات الثلاثة المعنية بتسديد الشغور وهي صنف الأستاذة الجامعيين وصنف القضاة الإداريين وصنف القضاة العدليين، مع التنصيص على نشر السلم التقييمي المحدد لضوابط ومقاييس اختيار المترشحين. كما حدّدت لجنة الفرز فترة قبول مطالب الترشح بـ 10 أيام بداية من تاريخ نشر قرار رئيس مجلس نواب الشعب بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، على أن يتم نشر الوثائق الخاصة بالترشح والتصريح على الشرف بالموقع الرسمي لمجلس نواب الشعب.
تحديات في جمع الأصوات
هذا ومن المنتظر أن يتم النظر في الترشحات بالنسبة لهيئة الانتخابات بعد مضي 10 أيام، على أن يتم تحديد جلسة عامة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية في اجتماع مكتب المجلس القادم. هذه الجلسة العامة تبدو ملامحها إلى حد الآن سلسلة على عكس التجارب السابقة في انتخاب الهياكل محل انتخاب من قبل نواب الشعب، نتيجة شبه التوافق على الأسماء المرشحة في انتظار الحسم فيها نهائيا في اجتماع لجنة التوافقات باعتبار أنه يصعب جمع الأصوات اللازمة لكل مترشح خصوصا وان القانون ينص على أن كل مترشح يجب أن يحظى بأغلبية الثلثين إي 145 صوتا من جملة 217 نائبا.