أتت للدنيا دونما صخب ولكنها لم تغادرها إلا وقد تركت في جوانبها صوتها المتردّد صداه «ما زلت أتنفس حرية» وستظّل تتنفسها وإن هناك بين الراحلين الأوائل، فنجيبة الحمروني من الجيل المؤسس لنقابة الصحفيين، جيل افتك مصير قطاع من يد نظام فدفع ثمن ذلك تجويع وملاحقات وتضييق.
نجيبة التي رفضت ان تتخلى عن شرعية النقابة في 2009 يوم تخلى عنها البعض امّا لثقل الحمل او لخمسة الاف سبب بالدينار التونسي، لكن هي وقلة من الرافضين لأن يسجن القلم للدينار والسلطة رفعوا اللاءات الثلاثة» لا لضرب النقابة لا لتطويع الصحافة ولا والف لا لخدمة النظام الدكتاتوري.
معارضة كلّفتها نهشا وتشويها لم تئن منه بل حملته شامخة، فمن شتمها ليس منها وهي من قطاع رأى فيها «كاهنته» الجديدة، فانتخبت في 2011 نقيبة للصحفيين التونسيين في مؤتمر الصفعة التي وجهت لرموز القديم.
يومها لم ير البعض غير سمرتها الفاتنة التي اكتسبتها من لون الأرض وشمسها، فكشفت عن الوجه البغيض للعنصرية ولا تزال تكشف بموتها عنه، كشفت عن حقد سكن انفس من استكثروا ان تكون هي نقيبة عليهم باصوات الحالمين بحرية وهم من اعتاد الاصطفاف فضاقهم انها لا تصطف الا في خندق الحرية والصحافة ولا ثالث لهما.
انتصار لقضيتين عبرت عنه بمواقف وتصريحات جعلتها تنتقل من صفة «الشرذمة الضالة» وفق مصطلاحات زمن دكتاتورية بن علي الى الشرذمة العلمانية الضالة زمن اسلمة الثورة ومحاولة الباسها عباءة «جند الرب» وحدهم، فكفرت نجيبة مع من رفض ان يقام باسم الله نظام جائر لا يراعي حرمة الله في مواطني بلاد الله، واتهمت بذات التهم التي جاهدت تنتقد مطلقيها يوم كانت توجه «لمعارضي بن علي» فاطلقها من وصل منهم للسلطة عليها فكانت الوجع.
نجيبة واي مصاب كان بمقدوره ان يفتّ من عزمها، لا جور السلطة والضحايا ولا مرض العصر ولعنته، كلهم انتكسوا في ان يجعلوا من الفتاة الحالمة بالحرية والديمقراطية لأهلها لأرضها وشعبها تعلن استسلامها. فهي وطوال 4 سنوات صارعت الموت وتحدته فمن هو ليجبرها على ان تفقد ابتسامتها وروحها الطفولية او يجبرها على الرحيل وهي لم تستعد بعد له.
لم تستسلم له وكان فيه راحتها من لعنة سكنتها فأعيتها كما أعياها جحود الأصحاب الذين هتفوا باسمها في إضرابين عامين أعلنت هي عن الدخول فيهما انتصارا لصحافة حرة ووطن حر، تستطيع فيه ان تتنفس.
وهي لا تتنفس غير حريتها التي دافعت عنها منذ ان التحقت بالصحافة في اواخر التسعينات وظلت تدافع الى ان وقع فصلها تعسفا لانها رفضت ان ترضخ وتهادن. رحلت نجيبة في سنة القحط واللعنة التي اقسمت على ان تسلبنا اجمل من في هذه الارض الطيبة، وجوه باسمة حالمة بتونس اخرى.
رحلت في سنة الحزن والنكبة وما ترك لنا في حزننا عزاء على فقدانها، فمن دونها فقدت الصحافة سمراءها و«كاهنتها» الثائرة وفي رحيلها وجع لمن رافقها سنوات الجمر. وداعا يا نقيبتنا ولتتنفسي حرية حيث انت؟؟