لأن هذين المجالين يشكلان الأمن الحقيقي لأي مشروع إقتصادي أو تنموي، و هما مقياسان أساسيان لكسب ثقة الفاعلين في المجال الإقتصادي والمالي عموما».
هذا التأكيد ليس مبنيا فقط على افتراضات بديهية تقتضيها تحاليل مستلزمات المعاملات الإقتصادية والمالية أو على توصيات وشروط المؤسسات المالية الّتي ترتبط بها الدولة التونسية فقط ، وإنّما مبني على الإطلاع على سمات وواقع هذه المجالات الحيوية.
فأملاك الدولة سواء كانت مصنّفة أملاكا عمومية للدولة أو أملاكا خاصّة لها، توزع على عدّة مصالح ومجالات للتصرّف فيها بدءا بالطرقات والأرصفة والمساحات الخضراء والمهيئة والبنايات والمنشآت العمومية، ونهاية بالأراضي الفلاحية والثروات الأرضية والجوفية والبحرية، كّلها أرصدة حيّة في مجال التنمية والمعاملات الحيوية اليومية.
ومن هنا تأتي أهمية العناية بمجال التصرف فيها ومقتضيات حسن إدارة الشؤون العقاّرية، وتبرز مخاطر مظاهر سوء التصرف في المال والملك العموميين. وهنا يطرح التساؤل عن سر إلحاق أملاك الدولة والشؤون العقّارية بوزارة المالية، وعن مدى وجاهة هذا الخيار في الإصلاح الهيكلي الذي تقدم عليه تونس.
إن الرصيد العقاري من أهم الضمانات في المعاملات المالية والبنكية الأمر الّذي يقتضي تخليص العقّارات من وضعيات التجميد، وإصلاح كيفية استغلال هذا الرصيد وحسن تقييمه وتقدير دوره في الدورة الإقتصادية.
فهناك مئات إن لم نقل آلافا من الهكتارات (ولا فرق من منظار حسن التصرف بين المتر المربع الواحد والهكتار) ترزح تحت التجميد منذ عشرات السنين - نعم عشرات السنين- مثل أملاك الأجانب الّتي حُوّلت إلى الدولة أو الأراضي الّتي كانت تابعة لديوان إحياء وادي مجردة والتي تم التفويت فيها ولم تقع تسوية وضعياتها ويتوقف بعضها على مجرّد معاينات وعمليات إختبار وتقدير، لم تنجز منذ سنوات وظلت مكدسة على رفوف إدارات مركزية وجهوية موزعة، وخاضعة لمشيئة فئة من الإداريين الذين لا عمل لهم غير الإرشاد بالتحوّل
إلى هذه الجهة أو تلك (نهج إيران، باب سعدون، شارع 9 أفريل، المنزه السّادس والمركز العمراني الشمالي، ومتيال فيل ومختلف مقرات الإدارات الجهوية بمختلف الولايات). فالقاسم المشترك لأغلب الإدارات هو اختلاق كل التعطيلات والتبريرات لكي يبقى الحال على ما هو عليه وهي وضعيات لا يمكن تفسيرها إلا بفتح منافذ دائمة للإبتزاز والفساد والرشوة. والغريب أنه عند استشكال الأمر لدى إدارات الملكية العقارية، تتعلّل بأن شهادات رفع اليد وتسوية وضعية ما وغيرها من الشروط خاضعة لإدارة أملاك الدولة. وعند الاتصال بهذه الإدارات يعيدون الأمر لإدارت جهوية في هذه المنطقة أو تلك، وكأن الإدارات مقاطعات مستقّلة غير خاضعة لأي سلطة مركزية، أو كأن السلطة المركزية لا سلطة لها على السلط الجهوية. وعندما تجتمع التبريرات وتتفتق المواهب القانونية والفقهية لدى مسؤولي إدارة
الملكية العقّارية يكتفون بالإشارة عليك بالتوجه إلى القضاء العقّاري، وهنا ندخل في معضلة أخرى وينتهي الأمر بأداء «صلاة الجنازة» على مصالح الناس في انتظار ترسانة القوانين و التشريعات الّتي يدّعي الجميع عدم توفرّها لحل الإشكاليات العالقة.
إن الآذان موصدة حول تنمية قدرات الدولة والتقليل من نفقاتها إذ لا يعقل مثلا أن تلجأ الدولة إلى تسويغ مقرات للمحاكم بما في ذلك المحكمة العقارية و.....