ونتج عنها انقطاع جزئي أو طول انتظار لهذه المادة المركزية في أكل الغالبية الساحقة من العائلات التونسية ..
ماهو الخيط الرابط بين الفارينة والسميد والخبز والقهوة والشاي والسكر والزيت النباتي المدعم والمحروقات وبدرجة أقل الألبان ؟ التوريد (الأعلاف بالنسبة للألبان ) وكل أزمات التزويد تعود إلى نقص في التوريد بحكم الصعوبات الجمة للمالية العمومية و كذلك نتيجة لتراجع ترقيمنا السيادي الذي عسّر كثيرا كذلك شروط اقتناء هذه المواد من الأسواق العالمية .
عندما نقول أن السبب الرئيسي يتمثل في اضطراب العرض وعدم توازنه في أحيان كثيرة مع الطلب هل يعني هذا انه لا وجود لعناصر أخرى تؤثر بدورها على هذا الاضطراب ؟
قطعا لا .في كل مادة يختل فيها التوازن بين العرض والطلب تكثر المضاربات غير المشروعة والاحتكار والسعي للعب على الأسعار ،كما أن منظومات عديدة ، كالحبوب مثلا، فيها اخلالات هيكلية يتضرر منها المنتج والمستهلك النهائي في ذات الوقت .
لاشك أن انتظام التزويد بمثل هذه المواد الأساسية واجب ملقى على عاتق الدولة بمختلف هياكلها المتدخلة وان من شروط الحوكمة العقلانية منع حصول هذه الانقطاع وهذه الاختلالات بين العرض والطلب وهذا لن يتأتى إلا بالمخزونات التعديلية الضرورية وبالضخ العقلاني لكل هذه المواد في السوق حتى لا نترك مسافة تحرك للمضاربات غير الشرعية ولا للهفة المواطنين المفهومة كلما تعلق الأمر بمادة أساسية في غذاء الأسر .
وهذا يعني في النهاية إقدام الحكومة على انجاز صفقات الاقتناء في مواعديها وعدم المجازفة بالمخزونات الإستراتيجية ، وهذا يستدعي بطبيعة الحال إنفاقا بالعملة الأجنبية قد يعسر توفيره الآن نظرا للصعوبات الجمة للمالية العمومية منذ سنتين على الأقل .
ولكن الحّل الجذري لا يكمن بطبيعة الحال في الاستيراد المكثف وفي التداين المرتبط به بل في مراجعة جذرية لكل هذه المنظومات من اجل عقلنة التصرف فيها وإنقاذ انتاجنا الوطني بداية ثم دعمه ، وتصليب عوده ثانية.أما على المستوى الاستراتيجي فينبغي علينا أن نجد التوازنات المطلوبة بين إمكانياتنا الإنتاجية (وخاصة في القطاع الفلاحي) مع ضمان ديمومتها واستدامتها مع التقاليد الاستهلاكية التي ترسخت فينا على امتداد هذه العقود حتى نعدل فيها ما يمكن تعديله بقصد تحقيق أمننا الغذائي بصفة مقبولة .
المطلوب إذن لا يتوقف على توفير هذه المواد اليوم – وهذا ضروري وأكيد – ولكن أيضا التخطيط للمستقبل والقيام بالإصلاحات الضرورية والاهتمام بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية للمنتجين والخروج التدريجي من منظومة دعم السلع ومرادفها الأجور الضعيفة إلى اقتصاد عصري تنافسي ترتفع فيه تدريجيا القدرة الشرائية لعموم المواطنين.
لا تثريب على حكومة وجدت صعوبات جمة في المالية العمومية ولكن اللوم كل اللوم على حكومة لا تحسن التصرف في العاجل ولا تخطط بصفة جدية للآجل .