و المرحلة المقبلة ستكون أصعب لأنه في المرحلة السّابقة كان الأطراف يخوضون في العموميات ، و تجاوزوا التقييم الفردي و التمعن في النتائج المحققة، في حين أنهم سيكونون مطالبين بالخوض في التفاصيل ،و إعداد البديل الّذي يجب أن يقنع عند الإعلان عنه ، قبل خوض التنفيذ والحكم على الأداء الفعلي .
و بما أن المطمح الكبير للديمقراطية الناشئة هي بناء دولة المؤسسّات، فإن هيكلة مؤسّسات الدولة تعدّ أولوية الأولويات ،لذلك يقتضي المنطق السليم أن يقع تقييم مردودية الهيكلة الحالية للحكومة قبل إعادة النظر بسرعة في هيكلة جديدة مرشحة للإستقرار ، تكون قادرة على استيعاب الأولويات المزمع تحقيقها، وعلى توفير الآليات الكفيلة بإعادة ترتيب ما انخرم و إيجاد الوسائل التي تضمن إحداث النقلة النوعية في مجابهة الصعوبات المرشحة للتفاقم في السنة السياسية المقبلة .
في هذه الهيكلة لا ينتظر المساس من هيكلة وزارات السيادة، والّتي رغم العمل الكبير والهام الّتي ينتظرها ، تبقى ذات اختصاصات مضبوطة في حاجة لمزيد التنظيم و تخليصها من العوائق الّتي تعرقل أداءها إماّ لنقص في زادها البشري أو لفساد فيه (بسبب نقص الكفاءة و إعتماد الولاءات )،أو لقلّة الإمكانيات الّتي يقتضيها العمل العصري والمتقدّم.
كما لا ينتظر المساس بهيكلة الوزارات ذات الإختصاصات التقليدية كالتربية والتعليم العالي و الصحة و السياحة و التجارة والثقافة
و المنتظر إذن ليس مزيد تعقيد قنوات العمل والتنسيق ، بخلق «أقطاب» لم تسبق تجربة جدواها ، و إنمّا المطلوب اعتماد مركزية مرنة ذات إدارة سلسة في تحركها ناجعة في أدائها .
هذا الأمر يقتضي إعادة ضبط هياكل الحكومة ، فيما يتعلّق بعصب مجابهة الصعوبات الإقتصادية والمالية، لذلك لا بد من مراجعة فكرة التخلي عن وزارة كبرى تهتمّ بالإقتصاد والتخطيط. فتونس في حاجة اليوم إلى وزارة إقتصاد ترسم التوجهات الكبرى و تخطّط لها و توفّر لها الآليات. وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه بواسطة عدّة وزارات مفتقدة للتنسيق و على رأسها شخصيات قد تتفق في التوجهات العامّة و لكنها لا تمتلك نفس القدرات على الاستنباط عند التنفيذ.
كما يقتضي الأمر أن تركّز وزارة كبرى تُعنى بالفلاحة و الصيد البحري و التنمية الجهوية ، تقع هيكلتها....