الخطاب والقانون والممارسة : أزمة المهاجرين من دول جنوب الصحراء

تستمر منذ الـ21 فيفري الفارط تاريخ نشر بيان رئاسة الجمهورية المتعلق بملف المهاجرين من دول جنوب الصحراء،

ولا شاغل لمؤسسات الدولة غير احتواء التداعيات السلبية لذلك البيان جعلها تتخذ يوم الاحد الفارط جملة من الاجراءات لفائدة هؤلاء المهاجرين.
اجراءات وخطاب رسمي لبحث عبرها الرئاسة عن تقليص الاثار السلبية للوصم الذي حمله بيان 21 فيفري للمهاجرين من دول جنوب الصحراء وربطهم بمخطط تغيير التركيبة الديمغرافية للمجتمع التونسي ، ولكن يبدو أن السلطة وخطابها لم ينجحا في إقناع الناقدين ولا في تسويق نظرية المؤامرة.
اذ جمعت السلطة في معالجتها للازمة بين حزمة من الاجراءات جلها لتيسير عملية المغادرة الطوعية وبين خطاب رسمي يجعل من ردود الفعل السياسية والدبلوماسية للدول الافريقية وباقي المجتمع الدولي نتاجا "لحملة معادية لتونس" وهو ما فاقم الاوضاع اكثر. تشعب الأزمة عبر عنه وزير الخارجية بقوله ان "الفترة صعبة" وان الدولة التونسية ستوظف كل الإمكانيات لتجاوزها عبر العمل الدبلوماسي الباحث عن تفسير الموقف التونسي من ملف المهاجرين من دول جنوب الصحراء، هذا مقترن بسردية المؤامرة.
فقد تمسك وزير الخارجية التونسي في خطابه الرسمي بـ"خطر التغيير الديمغرافي" واعرب عن عدم استيعابه للحملة المناهضة لتونس في محيطها القاري، ويرى أنها حملة لا معنى لها ويجب ان تتوقف، وحجته في ذلك أن تونس شرحت موقفها واتخذت إجراءات لحماية المهاجرين والإحاطة وهو ما يجعل من ردة الفعل تجاه بيان 21 فيفري غير مفهومة بل يسأل الوزير عما قامت به تونس حتى يحصل كل هذا.
هنا يحاول الوزير باعتباره اليوم الناطق الرسمي باسم الدبلوماسية التونسية والمكلف على ما يبدو بإدارة هذا الملف داخليا وخارجيا، أن يعيد صياغة بيان الرئاسة من زاوية مختلفة وبصياغة مغايرة اذ يشير هنا إلى أن تونس من حقها أن تعالج ملف الهجرة غير النظامية --او كما يطلق عليها غير الشرعية - وفق الآليات القانونية التي لديها.
كلمات الوزير ومحاولة وضعه لإطار جديد يقرأ من خلاله بيان 21 فيفري قد تعثرت، إذ ينكر الخطاب وجود سوء تقدير وحصول خطإ في الموقف الرسمي من ملف المهاجرين ويعتبر ما يحدث حملة ومؤامرة وليس رد فعل طبيعي على خطاب تتبني فيه الدولة نظرية "التغيير الديمغرافي" والاستبدال الكبير. هذا الموقف الذي ضمّن في بيان 21 فيفري هو لب الأزمة واصلها، وهو ما يغيب في سياسات السلطة لاستيعاب الأزمة، اذ لم تعلن السلطة عن تراجعها عن تبنى هذه النظرية التي يتبناها اليمين الشعبوي لا عن سوء تقدير لاستخدام المصطلح بل هي تكرره في خطابها الباحثة عن الحل. بحث عن حل لازمة دون الإقرار بالخطأ سيحول دون النجاح في تجاوزها، وهذا ما يبدو ان السلطات اليوم تواجهه، فالإجراءات التي اعلن عنها وسوقتها السلطة التنفيذية منذ يوم الاحد الماضي ينظر اليها من قبل المجتمع المدني التونسي وأساسا ائتلاف مناهضة الفاشية على انه منقوص وغير كافي لإنهاء الأزمة او لحماية المهاجرين من دول جنوب الصحراء.
فالإجراءات التي قدمتها السلطة لم تتطرق إلى معالجة الضرر الذي طال عدد من المهاجرين ولا ملاحقة المعتدين على المهاجرين او المحرضين ضذهم، كما أن الإجراءات لم تتطرق لمصير العشرات ممن وقع إلقاء القبض عليهم من قبل قوات الأمن في العاصمة او في ولاية صفاقس بالأساس.
إجراءات يرى المجتمع المدني انها محدودة لا تعالج الأزمة ومخلفاتها على معاش ضحايا الخطاب العنصري الذي انتشر في ومنصات التواصل الاجتماعي دون ان تجابهه السلطة باي خطوة لمكافحته او وضع حد لانتشار خطاب الكراهية ضد الافارقة في البلاد.
هذه الخطوات غابت عن السلطة رغم وجود نص قانوني يؤطر تدخلها ومنها قانون مناهضة كل أشكال التمييز العنصري لسنة 2018 الذي يمكن فعله لوضع حد لخطابات الكراهية.
ويبقى هذا بعيد المنال طالما ان تشخيص السلطة التونسية للازمة يبحث عن التفصى من المسؤولية ويقف عند عقبة الإقرار بالخطإ الصادر عنها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115