لتصل اليوم الى ما يمكن اعتباره «حربا باردة» تدار بين الرئيس وجميع خصومه دون استثناء بالتلميح وبالتصريح.
فمنذ ليلة 17 ديسمبر الجاري برزت دعوات الى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة واستقالة الرئيس قبل ان تتطور الاحداث لنكون امام نقطة التقاء اجتمعت حولها جل الاصوات المعارضة وهي بشكل صريح او غير مباشر المطالبة بحوار ينتهى برسم خطة لفترة انتقالية تضع حدا للمسار السياسي للرئيس الذي استهل منذ25 جويلية 2021 وتنزيل مسار جديد باصلاحات سياسية ودستورية تأخذ بعين الاعتبار ما تراكم من اخطاء والفشل منذ 2011 الى اليوم.
هذا تصور القوى الوازنة التي تعارض اليوم الرئيس من مواقع عدة، وهي تعتبر ان النتيجة الحتمية لفشل الدور الاول من الانتخابات التشريعية وضع حد لمسار 25 جويلية وتختلف في تفاصيل انهاء هذه الحقبة وفي موقع الرئيس ودوره هنا.
لكن في المحصلة يوحدها الرئيس ويتعامل معها على انها كيان واحد يتطرق اليه في كلماته بضمير الجمع الغائب «هم» ويجعلهم مجموعة متجانسة متناغمة تتآمر على الشعب وعلى مساره السياسي وتنكل بهم، وهذا ما قدمه اول امس في جندوبة حينما تحدث الرئيس عن افتعال الازمات وعن تسلل البعض للإضرار بالمسار الانتخابي والتنكيل بالمرشحين الصادقين..
خطاب حمل ردا غير امباشر على ما يقترح عليه من مبادرات لإنهاء الازمة السياسية. وهو ان المسار مستمر ومعركته باسم الشعب مستمرة وستتواصل بهدف التخلص من «القوى التي تعمل من اجل اسقاط الدولة»، كما انجرف الرئيس ليخاطب «هؤلاء» وهو الضمير الذي يلجأ اليه للحديث عنه معارضيه وجعلهم فريقا واحدا باستعارة لفظ «التصفية» للإشارة الى حاجة المشهد السياسي والعام في البلاد لعلاج ينهى مرضه.
هنا يتضح ان رد رئيس الجمهورية وتلميحه بسقوط اخر ورقة توت عن معارضيه، يتجاوز الرفض ليكون بمثابة تصعيد وتلويح بان المسار لن يقتصر على استكمال الدور الثاني من الانتخابات التشريعية بل سيستمر لترسيخ كل اسسه وبناه الدستورية لتنطلق عملية المحاسبة وفق ارادة الشعب.
رفض مختلف المبادرات السياسية واستباق أخرى على غرار مبادرة المنظمات الاجتماعية المنتظر استكمال بنودها (انظر مقال دنيا حفصة)، يضع البلاد في اتون صراع سياسي تتصاعد حدته مع كل خطوة يقطعها هذا الطرف او ذاك.
لا يقتصر الرئيس هنا على وضع احزاب ومنظمات في سلة واحدة بل يدفعها الى ان التصعيد ضده واللجوء الى حلول قصوى بدورها، فرفض الرئيس ان يستمع للجميع بما في ذلك اتحاد الشغل سيجبر الاخير على تنزيل تلويحه بحشد الشارع على الارض باعتباره السبيل الوحيد المتبقى امامه.
فالاتحاد وان رفض ان يصطف خلف اي طرف سياسي وبحث عن صياغة مبادرة سياسية بمعية المنظمات الوطنية لتوفير مسار امن لتجاوز الازمة السياسية فقد رفع من درجة تحذيره للرئاسة حينما اعتبر ان المنظمة لن تستطيع البقاء في حالة صمت او حياد وانها ان اضطرت ستلجأ إلى الشارع.
لجوء هو رد المنظمة على غلق الرئيس للفضاء السياسي ومحاولة احتكاره مع انكار كلي للازمة ورفض للاقرار بحقيقة ان مساره فقد زخمه الشعبي، هنا قد يصبح الشارع اداة لحسم الصراع السياسي ومعالجة الازمة لا فقط من طرف المعارضة بل من قبل انصار الرئيس الذي عاد اليوم الى خطاب التحريض والتقسيم بما من شانه شحن الاجواء ورفع منسوب التوتر.
هنا وجب الانتباه الى ان الشارع هو فضاء المعارضة لافتقارها لأدوات السلطة والياتها، ولجوء السلطة كما جد في الاشهر الفارطة الى الشارع في ظل ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي سيضع البلاد برمتها على فواهة بركان.