في الدور الاول من الانتخابات التشريعية، لكن ان امعنا النظر سندرك ان البلاد تعيش مخاضا بين قديم يتمسك بالبقاء وجديد يصارع ليرى النور.
القديم والجديد هنا استعارات لغوية للتعبير عن تصورين لادارة البلاد وكيفية الخروج من الازمة السياسية الراهنة، وهو ايضا استعارة للاشارة الى اللحظة الفاصلة في الحياة السياسية التونسية وهي الانتخابات التشريعية في دورها الاول التي بينت بشكل كلي ان المسار السياسي لرئيس الدولة بلغ نهايته بانتفاء مشروعيتة، مع ضرورة الانتباه الى المشروعية تنتفي عن المسار وليس عن الرئيس.
فنسب المشاركة في الدور الاول من الانتخابات التشريعية كشفت ان تونسيا من اصل عشرة لا يثق في المسار السياسي والمؤسساتي الذي وضعه الرئيس، مع الانتباه الى ان نسبة الثقة في شخص الرئيس لازالت مرتفعة، وهذا يضعنا امام معادلة قوامها ان التونسيين وان وثقوا في الرئيس فانهم لا يثقون في مساره السياسي ويرفضون الانخراط فيه.
معضلة يرفض الرئيس اليوم الاقرار بها ويتمسك بالذهاب الى الدور الثاني للانتخابات التشريعية التي يراهن على ان ترتفع فيها نسبة المشاركة بما يمنح مساره نفسا جديدا وينقذه من الانهيار ويمنحه زخما جديدا. ولكنه بالاساس يسعى الى ان يؤجل الارتدادات السياسية للفشل الذي تكبده مساره.
فالرئيس حينما طالب الجميع بالانتظار قبل اصدار احكام تقيمية بشان الانتخابات التشريعية كان يبحث عن غلق الباب امام المعارضة ومطالبها التي تصاعدت ساعات بعد غلق صناديق الاقتراع في 17 من ديسمبر الجاري بالذهاب الى انتخابات رئاسية مبكرة وكل طرف قدم صيغته وبنود خارطة الطريق التي يفترض انها الانجع لمغادرة الازمة.
ازمة يبدو انها تتجه الى اطالة امدها بتمسك الرئاسة بالذهاب الى الدور الثاني من الانتخابات التشريعية وهو ما ترفضه اليوم جل القوي السياسية والاجتماعية الوازنة في المشهد ومن ابرزها اتحاد الشغل الذي اكد امينه العام يوم امس في حوار له مع مراد الزغيدي في برنامج «عنا اجندة» انه يدعو الى الغاء هذا الدور وتجنب الهروب الى الامام والمكابرة.
كلمات الامين العام تتضمن ايضا اقرارا بان مسار الرئيس قد فشل والسبب هو الخيارات الاحادية التي انتهجت في رسم خطوات ومحطات هذا المسار الذي اعتبر لحظة انطلاقه في 25 جويلية فرصة اهدرت واليوم بات من الضروري البحث عن حلول مغايرة لازمات في تونس.
حلول لا يقدمها الاتحاد صراحة فهو ينجنب ان يقول بشكل مباشر ماتقوله الاحزاب وهو الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة، وعوضا عن ذلك هو يقدم مؤشرات تنتهى عند هذه الدعوة التي يبدو ان الاتحاد بات يعتبرها الخيار الانسب للبلاد ; وما يدل على ذلك هو دعوته الى الغاء الدور الثاني من الاستحقاق الانتخابي مع رفضه ان يحاور الرئيس باعتبار ان الاخير لا يستمع الى رأيه، وهنا لم يعد هناك مخرج سياسي للازمة غير الانتخابات الرئاسية المبكرة.
انتخابات يطالب بها اليوم جزء واسع من معارضي سعيد وداعميه السابقين، اذ يلتقي جلهم عند هذا الطلب الذي لا يحتكمون لعناصر تنزيله على الارض بل يتحكم فيها الرئيس ولكن سيفقد هذا التحكم ان تمسك بالذهاب الى الدور الثاني للاستحقاق الانتخابي وحققت فيه ذات النسبة او ارفع قليلا.
عندها سيكون الرئيس امام حتمية سياسية وحيدة وهو اعلانه عن نهاية مساره او ان يعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة .