رئيس الجمهورية يتمسك بمساراته السياسية والانتخابية: هل سترحّل الأزمة إلى قانـون المالية ؟

اختار الرئيس ان يكون وفيا لمقولاته ولنهجه الذي اختزله بـ«انه لا تراجع» عن المسار السياسي، وهو يرفض ان يقر بضعف نسبة المشاركة في الدور الاول للانتخابات

التشريعية بل ينتقد كل من يقول بذلك ويطالبه بانتظار الدور الثاني الذي يبدو انه يراهن على ان تحمل رياحه «معجزة» فترتفع النسبة.
هذا لب الموقف الصادر عن رئاسة الجمهورية مساء الاثنين الفارط، حينما التقى قيس سعيد مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ونشر بلاغ الرئاسة مقتطفات من مضمون اللقاء وابرز ما حمله هو التقييم السياسي للدور الاول من الانتخابات التشريعية.
هنا ينتقد قيس سعيد بصفته صاحب المسار والقائم عليه الانتقادات الموجهة، ويعتبر ان تركيز معارضيه على نسبة المشاركة في الدورة الأولى يهدف الى التشكيك في تمثيلية مجلس نواب الشعب القادم، وهنا يقدم حكمه القائل بان « نسبة المشاركة لا تقاس فقط بالدور الأول بل بالدورتين». وشبه تقييم نسبة المشاركة للدور الاول « بالإعلان عن نتيجة مقابلة رياضية عند انتهاء شوطها الأول».

هذا الموقف الرسمي الصادر عن الرئيس لا بصفته الماسك بمقاليد السلطة التنفيذية بل بصفته الجهة المبادرة بالمسار السياسي والانتخابي. يمكن تقسيمه إلى جزءين. الاول رفض الاعتراف بضعف المشاركة وما يعنيه ذالك من رفض الاقرار بان مسار 25 جويلية فقد الحاضنة الشعبية وبالتالي سقوط مقولات الشعب يريد والإرادة الشعبية.

الرفض هنا هو انكار لواقع ومحاولة ايجاد مبرارات تخفف من وطأة وثقل النسبة المتدنية للمشاركة في الدور الاول من الانتخابات، وهو ايضا رد غير صريح ومباشر من الرئيس على المعارضة التي تدعوه الى وضع حدا لمساره بصيغ مختلفة تلتقى في نقطة الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة.
لإيجاد مخرج من هذه الازمة القى الرئيس بورقة لعبه الوحيدة وهي «الدور الثاني»، وهنا وجه رسالته لا للمعارضين له بل للتونسيين ولانصاره منهم بأن تقييم المسار الانتخابي والسياسي لا يستقيم دون استكمال الدور الثاني وعليه فيجب الانتظار الى حين استكماله والاعلان عن نتائجه.

هنا لا يمكن الاقتصار على الانكار والدعوة لانتظار الدور الثاني او الاكتفاء بالقول ان المنتقدين ليسوا سوى مجموعة من المشككين وكلامهم مردود عليهم، فالخطاب هنا لن ينقذ الرئيس ولن يغير الواقع السياسي الراهن وهو ان تسعة من اصل عشرة تونسيين لم يشاركوا في الدور الاول وهذا يسحب عن النواب الفائزين اليوم بمقعد منذ الدور الاول صفتهم التمثيلية ويهز من مشروعيتهم. خاصة ان نائبا تحصل على مقعده بالبرلمان بـ0.1 %من الاصوات المصرح بها عن دائرته.
وضع يبدو ان الرئيس يدرك تعقيداته ويراهن على ان لديه مخارج منه تحصن مساره السياسي والانتخابي، وهنا وان لم يقل الرئيس بشكل واضح ما يدور بخلده الا ان الامر جلي وواضح وهو المراهنة على تغيير مزاج الناخبين خلال الفترة الفاصلة بين الاعلان عن النتائج الاولية للدور الاول من الانتخابات التشريعية ويوم الاقتراع في الدور الثاني.

هنا ايضا تتضح ملامح الطريق الذي سلكه الرئيس في القسم الاول من ذات البلاغ الصادر عن الرئاسة، والذي جاءت فيه اشارات واضحة بان قانون مالية 2023 سيكون على طاولة مجلس الوزراء الذي سينعقد هذا الأسبوع ، ومن المنتظر ان يشرف عليه الرئيس بنفسه.
قانون مالية شدد رئيس الجمهورية لرئيسة الحكومة على ضرورة تحقيق التوازنات المالية المنشودة فيه بالرغم من الصعوبات وتأكيده على يكون قائما على مقاربة العدل الاجتماعي كما ينصّ على ذلك الدستور. هنا يتضح جليا ان الرئيس يحرص على ان يكون قانون مالية 2023 احد عناصر خطة استعادته للزخم الشعبي وتشجيع التونسيين على الذهاب الى صناديق الاقتراع في الدور الثاني.

وان كان هذا التصور يحمل عناصر فشله مسبقا، فمحاولة تضمين قانون المالية لبعد اجتماعي كعدم المساس بمنظومة الدعم او تخصيص نفقات اجتماعية جديدة او تنزيل منجز اجتماعي او تأجيل الاصلاحات الكبرى الى مواعيد قادمة سينسف الاسس التي بنت عليها الحكومة قانون المالية، وهي اسس وضعتها الحكومة منذ اكثر من سنة. وتختزل في المراهنة على اتفاق مع صندوق النقد الدولي لضمان مخرج امن لتعبئة الموارد المالية.

هذه الاسس إذا وقع التخلي عنها او مراجعتها بهدف انقاذ المسار السياسي والانتخابي فان نتائجها ستكون ببساطة تعثر كامل مسار المفاوضات لا مع صندوق النقد الدولي فقط بل مع جل المؤسسات المالية الدولية والإقليمية التي تراهن حكومة نجلاء بودن عليها لتعبئة موارد مالية لميزانية 2023.
هنا تبرز المعضلة الفعلية، فلكل خيار ثمنه الباهظ والخيارات الخاطئة لن يدفع ثمنها الفاعلون السياسيون بل سيدفع ثمنها التونسيون من وقت وجهد هم في اشد الحاجة اليه لمغادرة مربعات أزمة طال امدها .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115