ويقدم هذا على انه ضمانة كافية لبعث الطمأنينة في النفوس ونفي اي تهديد قد يمس من الحقوق والحريات العامة والفردية في تونس ما بعد 25 جويلية.
لكن هذا يصطدم بان حقوق الإنسان كما تعرف وتضمن في المواثيق الدولية مهددة بدرجات مختلفة لعوامل عدة منها الثقافي ومنها الاقتصادي والاجتماعي في كل اصقاع الدنيا وتونس ليست الاستثناء ولن تكون، وهذا القول ضروري لتجنب الخوض في جدل ومناكفات سياسية إذا تعلق الامر بتقييم وضعية حقوق الانسان في تونس اليوم.
ففي تونس وبعيدا عن المقارنات بين ما قبل الثورة وما بعدها ثم ما بعد تجزأ الى عهدين قبل 25 جويلية وما بعده، لا يمكن ان يقع انكار ان البلاد شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان بتعّلات عدة كالخصوصية الثقافية أو حماية المقدسات وباسم الشعب او فرض هيبة الدولة...
حجج قدمت لتبرير الاعتداء على تونسيات وتونسيين في الفضاءات العامة سواء من قبل السلطة الحاكمة او تحت انظارها دون ان تتحرك لوضع حد لها. فهي تصمت إذا تعلق الامر بانتهاك حقوق التونسيين والتونسيات في مراكز الإيقاف أو في الساحات العامة من قبل عناصر الآمن وتروج لأن ما يحدث هو حالات معزولة لكنها لا تلاحق المنتهكين ولا تحاسبهم، وهذا الامر ينطبق على كل العهود لا على الاشهر الاخيرة فقط.
وفي تونس تتواصل ممارسات التميز والعنصرية تجاه المختلف سواء أكان تونسيا او اجنبيا يقيم بيننا على غرار ما يتعرض له عدد من مواطني دول جنوب الصحراء من ممارسات عنصرية وعنف مادي ومعنوي ووسم وتنميط، ممارسات يفتح قوسها ليشمل كل من هو مختلف عن الصورة الذهنية النمطية التي قدم لنا الدستور الجديد أطرها فجعل التونسي مواطن /ذكر/ مسلم /عربي ، فإذا غادر هذا الاطار فقد صفته، ويتجسد هذا بشكل واضح في شروط الترشح لرئاسة الجمهورية.
وعليه فان اي مختلف عن الشخصية التونسية النمطية ، سواء في معتقده او لسانه او لون بشرته او ميله الجنسي... هو ضحية مع وقف التنفيذ لانتهاك حقه وانتهاك الحرمة الجسدية من قبل الدولة ومؤسساتها اللتين تشاركان بشكل مباشر وبالقانون في انتهاك الحرمة الجسدية تحت مسمى الفحص الشرجي ...
هنا يمكن ان نحصي أصنافا كثيرة من الاعتداءات على حقوق الإنسان تمارسها الدولة ومؤسساتها او تغض البصر عنها وتسمح بإفلات المنتهكين من العقاب لتمنح المعتدين على حقوق الانسان حصانة تضاف الى ما يتمتعون به من امتيازات او نفوذ جلهم في موقع قوة وهيمنة إزاء الضحايا.
للأسف فان هذا الواقع له منشأ دستوري اذ ان الدستور الجديد وفق جل المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية دستور معيب يفكك و يهدد الضمانات الرئيسية لحقوق الإنسان، كما ان التصورات التي تضمنها للحريات وللحقوق وقدمها في التوطئة وفي البابين الأول (أحكام عامة) والثاني (الحقوق والحريات)، تصورات أقل ما يقال عنها أنها محافظة تؤسس لمناخ فكري استبدادي .
فالدستور الجديد وضع بنى هيمنة ايديولوجية جديدة تحدث قطيعة مع الحداثة التونسية بنخبها ومضامينها الأساسية، وترفض كونية حقوق الإنسان خاصة إذا تعلق الامر بحقوق النساء وللمساواة بين الجنسين وحقوق الاقليات الدينية والعرقية والجندرية.
التيارات الشعبوية لا تهدد منظومة حقوق الانسان في تونس فقط بل في كل الدول التي تمكنت من ان تصل الى السلطة فيها، وخاصة الدول التي تشهد تحولات سياسية كبرى والفرق بينها يكمن في «الإرادة السياسية» للسلطة وللنخب المحيطة قولا وفعلا، فإما أنها تستبطن مفاهيم حقوق الانسان بشموليتها أو هي تناهضها صراحة وتعلن عن ذلك.
اليوم في تونس ورغم محاولة تقديم خطاب مطمئن إلا ان السلطة السياسية ونخبها حسمت موقفها وقناعتها من مسالة حقوق الإنسان اذ هي لا تعتبرها قيمة في حد ذاتها اي انها حق طبيعي لكل فرد في تونس، بل هي امتياز تمنحه السلطة لمن ترى انه يستجيب لشرط الوطنية والإخلاص.
هذا التقسيم للتونسيين والتونسيات على قاعدة «الشخصية النموذجية» وفق معايير السلطة او التصور الذهني لجزء من المجتمع هو اعلى درجات الخطر التي تهدد منظومة حقوق الإنسان في تونس وتجعل الانتهاكات والانحرافات التي سجلت على خطورتها تفاصيل هامشية، وعليه فان الدفاع وعن الحقوق والحريات ليس مسألة فنية نخبوية لا تهم سوى الخبراء وقلة من التونسيين بل هي معركة مجتمع بأكمله.
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان: المعركة الكبرى
- بقلم حسان العيادي
- 12:08 12/12/2022
- 1073 عدد المشاهدات
في الخطاب الرسمي للسلطة التونسية يقع التأكيد دائما على ان الحقوق والحريات محمية ومحفوظة وانه لن يقع المساس بها ولا التراجع عنها،