العودة للحركة وتوجيه الرسائل لكنها احيت الحيرة حول ما يريده الرئيس.
ففي كلماته سواء في زيارته لمصنع الحليب بمدينة سليمان او في كلمته من شرفات عمارة الوطن/ مبنى حزب التجمع الديمقراطي المنحل، او في الدردشة التي جمعته بنجل الزعيم النقابي الراحل فرحات حشاد، كان القاسم المشترك بينها انها تعيد رسم المشهد حتى وان اختلفت سياقاتها.
فما يقدمه الرئيس اليوم من خطاب سياسي في مناسبات تنوعت خلال الايام الفارطة يقوم بالاساس على استعادة الصورة الذهنية المشكلة عنه، ففي تنقله في شارع الحبيب بورقيبة وزيارته الى الصادقية بالقصبة، يبدو ان ارادة الرئيس من تحركه في الشارع امام انظار التونسيين كانت توجيه رسالة الى معارضيه بان قراءتهم السياسية للشارع خاطئة وانه ليزال يتمتع بشعبية رغم كل شي، وهذا ما قدمته كلمة وزير الداخلية الموجهة للرئيس «صحه الجولة متاعك سيدي الرئيس والحمد الله الشعب لكل معك».
رسالة اساسية يريد الرئيس ان تصل الى الجميع قبل الـ 10 من ديسمبر الجاري موعد التظاهرات الاحتجاجية التي دعت اليها فصائل المعارضة.هذه الرسالة تلتها رسائل اخرى اختلف مضمونها باختلاف موقع إطلاقها وهنا تبرز ثلاثة رسائل اساسية تضمنتها كلمات الرئيس في عمارة الوطن بشارع محمد الخامس،
وفي زياراته الميدانية لمجمع الحليب ومصنع سليمان والثالثة اثناء فعليات احياء الذكرى 70 لاغتيال حشاد.
فالرئيس تحدث عن لجنة الصلح الجزائي وأهميتها لتعبئة موارد مالية للدولة التونسية دون اغفال الحديث عن التلاعب والفساد في ملف استرجاع الاموال المنهوبة من الشعب التونسي التي يشدد على ضرورة ان تعود اليه وهنا المح الى ان استعادة مال الشعب قد يمكن تحقيق موارد تتجاوز ما قد تجمعه باللجوء الى الاقتراض، بل ذهب الى التاكيد انه ورغم توفير كل شيء، من النص القانوني ومن تعيين اعضاء لجنة المصالحة لم يقع شي والحال انه كان من المفروض ان خزائن الدولة تهشد انطلاق عملية تعبئتها من اموال المصالحة وان الشباب قد انطلق في بعث الشركات الاهلية وخلق الثروة.
ومن محمد الخامس كما من سليمان تحدث عن الاحتكار وعن انذاره الاخير لمن يتلاعب بمسالك التوزيع بهدف اصطناع ازمات تؤدي الى التنكيل الشعب في قوته. اما من ساحة القصبة وعلى مسامع الامين العام لاتحاد الشعل تحدث الرئيس عن «المعاني الحقيقية للعمل النقابي» ويبدو ان رده غير مباشر على كلمة الامين العام يوم السبت الفارط.
رسائل وتفاصيل عدة تقدم اجزاء مبعثرة تعيق الفهم الواضح والدقيق لما يريده الرئيس، ففي كل تحركاته الاخيرة، ومنها في سيدي بوزيد يوم امس، كان الرئيس يقدم بشكل ضمني خطابا يتناقض بشكل كلي مع خطاب الحكومة وتصورتها لكيفية ادارة الشان الاقتصادي والاجتماعي.
فحرص الرئيس على جعل الصلح الجزائي وعائداته المالية عنصرا في خطابه لم يكن دون تلمحيه الى ان هذا الصلح لو تم لما كانت البلاد في حاجة للاقتراض بل انه لو تم لشهدت البلاد حركية اقتصادية جديدة كانت ستخلق الثروة وتعبئ خزائن الدولة.
هنا يتضح ان الرئيس وان لم يعلن صراحة عن انه يرفض التوجه لصندوق النقد الدولي للاتفاق معه الا انه ينتقد هذا التوجه ويعتبره استمرارا لسياسات قديمة يجب القطع معها، وهنا تبعث الحيرة فالرئيس الذي يريد الحفاظ على شعبيته ويريد ان يجسد مقولاته الاجتماعية كرر في الساعات الفارطة خطابه المتناقض مع سياسة حكومته.
فالرئيس لا يقتصر انتقاده على التوجه للاقتراض بل يشمل خطة الحكومة الإصلاحية التي قدم في شأنها خلال الايام والاسابيع الفارطة خطابا ينسف جزءا من اساسها، فهو يتعهد بانه لن يرفع الدعم ولن يقع التفريط في المؤسسات العمومية.
هنا يصبح الامر شائكا، فدعم الرئيس وتوقعيه على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بات شرطا اساسيا لنجاح هذا الاتفاق، في المقابل نجد الرئيس يقدم خطابا يلزمه بنقيض خطة الاصلاحات، وبهذا نصبح امام حيرة هل سيقدم الرئيس على توقيع الاتفاق ام انه يريد من حكومته ايجاد حلول تتجاوز صندوق النقد؟