لرئيسة الحكومة التي بقصد او دونه اشعلت فتيل ازمة جديدة بينها وبين الاتحاد وهي قاب قوسين او ادنى من الانطلاق الفعلي في اصلاحاتها الاقتصادية.
فتيل اشعلته رئيسة الحكومة على مرحلتين، اولاهما حينما غابت عن افتتاح اشغال ورشة موضوعها حوكمة المؤسسات والمنشآت العمومية بقصر الضيافة بقرطاج و كان من المقرر ان تشرف على افتتاحها وان تلقي الكلمة الافتتاحية فيها لكن هذا لم يحدث وفق ما اعلنه وفد الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قرر الانسحاب.
انسحاب برره الوفد الذي ضم 4 من اعضاء المكتب التنفيذي وأربعة خبراء ينتسبون للإتحاد بانهم فوجئوا بغياب جميع أعضاء الحكومة وبتغيير مضمون الورشة التي باتت مقتصرة فقط على نقطة وحيدة وهي القانون عدة 9 لسنة 1989 الذي يرفض الاتحاد ان يقع تنقيحه بهدف فتح الباب للتفويت في المؤسسات العمومية تدريجا.
هنا لم تتعقد الامور بعد، فقد كانت امام الحكومة هوامش حركة تمتص بها غضب الاتحاد وتشرح بها ما حدث، لكن لا احد يعلم من اقنع رئيسة الحكومة بان تنشر مساء امس صورا لها تثبت من خلالها حضورها الى اشغال الورشة وتنقل تحركاتها داخل القاعة ودردشتها مع المشاركين فيها دون ان يقع التغافل عن نشر بلاغ جاء فيه انه تم انتظام ورشة عمل تحت إشراف رئيسة الحكومة بعنوان «تطوير حوكمة المؤسسات والمنشآت العمومية من أجل تعزيز دورها الاجتماعي والاقتصادي». مع التأكيد على ان هذه الورشة تندرج في إطار توسيع الاستشارة حول مشروع القانون المتعلق بتنقيح القانون عدد 9 لسنة 1989 المتعلق بالمساهمات والمنشآت والمؤسسات العمومية.
صور وبلاغ نقل رواية الحكومة التي ارادت من خلالها ان تنسف حجة انسحاب وفد الاتحاد وان تدينه بشكل غير مباشر وهذا كان المرحلة الثانية في اذكاء الازمة وجعلها تتمدد لتصبح مواجهة معلنة وصريحة بين حكومة بودن والاتحاد الذي سارع بالرد على بلاغ الحكومة وصورها بالاعراب عن الاستغراب الشديد من هذا السلوك لينتقل الاتحاد الى تفسير ما اقدمت عليه الحكومة وشرحه ليشير صلاح الدين السالمي عضو المركزية النقابية بأنه يرجح ان حضور نجلاء بودن الى الورشة كان بعد اعلمها بانسحاب الوفد النقابي واعتبر ان نشر الصور والبلاغ هدفه نفي حجة الوفد وهنا اعلن عضو المكتب التنفيذي ان هذا «يقيم الدليل مّرة أخرى على الاستهانة به وانعدام الجدية في البحث عن الحلول الحقيقية».
وهنا كشفت الازمة عن نفسها بشكل جلي، فهي لا تتعلق بشكل جوهري بحضور رئيسة الحكومة او غيابها عن افتتاح الورشة بل أن لبها وجوهرها هو خيار الحكومة ان تمضى بسرعة الى تنقيح القانون عدد9 دون تهيئة مناخ لهذا او الاستماع الجدي لأراء ومواقف الاتحاد. وبهذا تصبح حادثة قصر الضيافة القطرة التي افاضت الكأس. فوفد الاتحاد الذي حضر الورشة كما الصور التي نشرتها الحكومة يلتقيان في الكشف عن ان هذه الورشة «شكلانية» لا تبحث عن فتح نقاش بل عن اخراج جدي لقرار تنقيح القانون عدد 9.
قانون تريد الحكومة ان تنقح بنوده بما يسمح لها في التفويت الكلي او الجزئي لبعض من مساهماتها في مؤسسات او منشآت عمومية، وهذا في تناغم مع تعهداتها لصندوق النقد الدولي التي كشف ان من بين بنودها التفويت في عدد من المؤسسات والمنشات.
هذا هو جوهر الصراع الدائر بين تصورين لكيفية معالجة ازمة المؤسسات العمومية هل يكون ذلك باصلاح وهيكلة جديدة؟ أم بالانطلاق في عمليات التفويت تحت مصطلح «الحوكمة» والتخفي وراء التعهد بعدم التفريط فيها؟ وهذا الصراع ستتمدد ساحته لتصل الى قصر قرطاج.
عودة العلاقة بين الحكومة والاتحاد إلى التوتر: المؤسسات العمومية ساحة المواجهة القادمة
- بقلم حسان العيادي
- 11:56 01/12/2022
- 1402 عدد المشاهدات
ما الذي يدور في خلد رئيسة الحكومة نجلاء بودن؟ يبدو أن لا أحد يعلم، او يمكنه ان يقدم اجابة شافية تفسر السلوك السياسي