في تكثيف نسق حملاتهم ليصلوا الى الذروة مع نهاية آجالها فنشهد حملة جدية لانتخابات تشريعية بما يقتضيه الاستحقاق.
وما تقتضيه حملة الانتخابات التشريعية ان يكون التشريع عنصر منها، فلليوم الخامس على التوالي غاب عن كلمات المرشحين التي بثت سواء في حصص التعبير المباشر او في البرامج الحوارية التي استضيف بعض منهم اليها او في برامجهم التي نشرت على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من المحامل التي بثت من خلالها داعية المتنافسين على الفوز بمقعد في احدى غرفتين «الوظيفة التشريعية» كما عرفها الدستور الجديد.
فطبيعة الاستحقاق الراهن هو انتخابات تشريعية تفترض ان يكون للمترشحين والمترشحات ادراك لوظيفتهم وفهم لطبيعة المقعد الذي يتنافسون على الفوز به، وهو مقعد تشريعي اي ان الفائز او الفائزة في الانتخابات سيكون مفوضا من الشعب لاصدار التشريعات. لكن هذا البعد لا وجود له الى حدّ الآن في الحملات الانتخابية ولا في البرامج الانتخابية.
اذ لم يطرح مترشح سواء أكان يمثل نفسه او يمثل ائتلاف انتخابي او حزبه، في خطابه او برنامج الانتخابيا اي نقطة تتعلق بدوره التشريعي المنتظر ولا قدم مشروع مبادرة تشريعية سيدافع عنها في البرلمان ان فاز، او حدد محاذيره وتوجهاته في القيام بدوره التشريعي.
كل هذا غاب عن مختلف المترشحين ولم يسجل حضوره ولو باحتشام في الاسبوع الاول للحملة الانتخابية، لنكون امام حملة انتخابية غارقة في الشأن المحلي وتهتم بالاستجابة المباشرة لأولويات ناخبي الدائرة وهي بالأساس متعلقة بسوء البنية التحتية او توفير فرص عمل وغيرها من النقاط التى تشكل برنامج عمل الحكومة...
والمفارقة هنا ان المترشحين لخوض غمار الانتخابات التشريعية يقدمون «برامج حكم»، والحال ان الدستور حسم صلاحية رسمها ووضعها ومنحها لرئيس السلطة التنفيذية اي رئيس الجمهورية الذي يرسم السياسات العمومية ويكلف الحكومة بتنفيذها، وهنا لا دور لمجلس النواب.
اذا ما يمنحه الدستور من صلاحية ومهام لمجلس النواب باعتباره احد غرفتي السلطة التشريعية، هو الجانب التشريعي مع بعض من صلاحيات الرقابة المحدودة على السلطة التنفيذية، وهذا يعني اننا امام فرضية لا نرجو صحتها وهي ان هناك قصورا في الفهم لدى المترشحين والمترشحات لطبيعة الموقع الذي يرغبون في الفوز به.
سوء تقدير او فهم ادى الى ان تغيب خلال الايام الاولى لحملة الانتخابات قضايا مهمة كان يفترض ان تكون من عناصر الخطاب السياسي للمترشحين او من النقاط الاساسية لهم، وهو كيفية ممارسة دورهم التشريعي وأية مدونة تشريعية سيعلمون على وضعها وكيف سيترجم نص الدستور عبر القوانين او كيف سيساهم في الانتقال من الوضع الاستثنائي الى الطبيعي .
وهذا بدوره يرحلنا الى قضايا غائبة كليا عن النقاش العام وهو المشترك المجتمعي الذي يفترض ان تعمل الغرفة التشريعية على تطويره عبر ترسانة من القوانين التي تحمي الحقوق والحريات وتضع حدا لتجاوزات لاتزال مستمرة. دون ان نغفل ايضا عن دور الغرفة التشريعية في تطوير المجال الاقتصادي وتحديث الترسانة القانونية.
اذ لم يقدم للناخبين الى حدّ اليوم نقاش يتعلق فعليا بطبيعة الاستحقاق التشريعي وهو مناقشة مبادرات لتطوير المدونة القانونية التونسية بهدف تحرير المبادرة وإزالة القيود التي كبلت المجتمع التونسي وإفراده وحالة دون انبعاث ديناميكيات تنتج تغير ايجابي نحو الافضل.
هذا لم يقدم لكن لعلنا المعنيين يتداركون الامر خلال الايام القادمة او لعل هنا نتشبث بأمل لن نصفه لنتجنب الاصطدام بعقبتين اولاهما واقعنا السياسي الراهن والثانية عقوبات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الي تحول اليوم دون تقييم سياسي موضوعي لهذه الحملة وللانتخابات.