ومع فوزه بأول عهدة رئاسية ظلت خطته تستنسخ وتتطور في ظل هيمنة الوسائط والشبكات الاجتماعية. ليصبح الامر اقرب الى صناعة تساهم بأشكال عدة في الفوز بالانتخابات او خسارتها .
اليوم وبعد 14 سنة وفي تونس التي شهدت كما شهد العالم توظيفا للشبكات في الحملات الانتخابية او السياسية انتقلنا الى مرحلة ترحل فيها الحملات الانتخابات بشكل شبه كلي الى شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت اليوم «الفضاء العام» الوحيد الذي تستشعر فيه بأن البلاد مقبلة على انتخابات تشريعية بعد 19 يوما فصفحات المترشحين والمترشحات وحساباتهم الشخصية باتت هي الفضاء العام الذي تنتظم فيه لحملة الانتخابية لهذا المرشح او ذاك وتوفر مساحة من التفاعل سواء بإبداء الدعم او بالانتقاد او طرح الاسئلة لمعرفة ما يتعهد به المترشحون في حال فوزهم، مع نشر صور هؤلاء مع انصارهم او في اطار انشطة الحملة من لقاءات مباشرة بالناخبين او زيارات للأسواق والمقاهي وغيرها من الاماكن التي توفر فرصة للمترشح او المترشحة لخلق حدث انتخابي قابل للتسويق على شبكة التواصل الاجتماعي.
هنا وبشكل اولي في انتظار استكمال فترة الحملة، يتضح جليا اننا امام حملة انتخابية مغايرة كليا لما عهدناه او خبرناه سابقا، اذ أننا اليوم امام حملة انتخابية لم تعد شبكات التواصل الاجتماعي والخوارزميات إحدى ادواتها بل كانت اداتها الرئيسية التي تدور في فلكها العملية الانتخابية.
صور ومقاطع فيديو وبث مباشر ووسوم/«هشتاغ» هي ما تنقل تفاصيل الحملة ومضامينها التي باتت تناقش بشكل رئيسي على صفحات وحسابات المترشحين او داعميهم او في مجموعات مغلقة، ووتيرة هذه الحملة تحدد بعدد النقرات والزيارات والمشاهدات لمنشورات تتعلق بنشاط انتخابي من زيارات وتعليق للملصقات او توزيع للبيانات محدود الاثر على ارض الواقع .
هذا المشهد الانتخابي الذي نختبره اليوم نجم عن عدة تقاطعات وعوامل تداخلت لتؤدي في النهاية الى ان يكون الحضور الابرز للحملة على منصات التواصل وليس على ارض الواقع او وسائل الاعلام التقليدية من اذاعة وصحف وتلفاز او في اللقاءات الشعبية الواسعة.
فالقواعد التي فرضت على العملية الانتخابية منذ بدايتها ادت الى ان نكون امام مشهد سياسي وانتخابي افرغ من اهم عناصره وهو فتح الفضاء العام للنقاش وتوفير مساحة للمناظرة والتقييم والنقد الموضوعي القائم على مساءلة المترشحين وبرامجهم سواء في اللقاءات المباشرة بينهم وبين المواطنين في الاستضافة الاعلامية والصحفية لنكون اليوم امام مشهد انتخابي صاغته النصوص القانونية والقرارات الترتيبية التي قيّدت العملية الانتخابية برمتها فدفعتها الى فضاءات بديلة وفرتها المنصات لتزداد بذلك تعقيدات المشهد الانتخابي في تونس.
مثال ذلك القرار الصادر عن هيئة الانتخابات الخاص بإدارة الحملات الانتخابية على وسائل الاعلام الذي قيد هذه الوسائل ودفع بعضها الى ان تنسحب من تغطية الحملة او الاكتفاء بتغطية عامة لا تسمح بان يتطور نقاش عام ينتهى بان تتشكل صورة لدى الناخب تساعده على تحديد المترشح الذي سيمنحه ثقته. وهنا ليست قرارات الهيئة فقط التي غلّت يد الاعلام بل طبيعة النظام الانتخابي.
في المحصلة قدمت لنا عناصر المعادلة الانتخابية مجتمعة هذا المشهد القائم على انسحاب شبه كامل، باستثناء حصص التعبير المباشر وبعض الاستضافات الاعلامية، للحملة الانتخابية وللنقاش العام من الفضاء العام الملموس الى فضاء عام افتراضي يوفر مجالات للداعية والتلاعب وإغراق العملية الانتخابية في هوامش لا تسمح بتشكيل نقاش عام جدي يساعد التونسي على تحديد المرشح الانسب لمنحه الثقة.