التي ووجهت بالغاز المسيل للدموع وتصدي قوات الامن مما عمق ازمة السلطة في الجهة.
سلطة ارتأت ان تجابه الاحتجاجات التي اندلعت صباح امس في المدينة التي سعى اهلها الى ان ينتقلوا إلى جزيرة جربة الواقعة على بعد بضع كيلومترات عنهم ليحتجوا على مسمع السلطات المركزية وأمام بصرها عشية انطلاق اشغال القمة الفرنكفونية فوجدوا قوات الامن والغاز المسيل للدموع في انتظارهم للحيلولة بينهم وبين مقصدهم.
خيار اتخذته السلطة ويخشى ان يكون تأكيدا لانطباع سائد بأنها تغفل كليا عن كيفية استباق الازمات الاجتماعية التي تواجهها وستواجهها في المستقبل وعدم ادراكها بعد انها تتسرع في معالجتها إذا وقعت باللجوء الى ذات الخيار القديم القائم على مقاربة امنية في الدفاع عن نفسها امام مطالب المحتجين.
جرجيس التي عاشت على وقع الاحتقان خلال الاسابيع الفارطة مطلب اهلها هو ان تقدم لهم السلطة اجابة عن مصير ابنائهم المفقودين في حادثة غرق مركب للهجرة غير النظامية في سبتمبر الفارط، واليوم وبعد سوء تقدير وقصور واضح من قبل السلطات الجهوية واكتفاء السلطة المركزية بالإشارة الى انها تتابع الملف اراد اهلها ان يحتجوا عل السلطة تسرع من نسق عملها لتقدم لهم الاجابة.
هذا هو واقع الامر اذ ان تحرك اهالي جرجيس ليس «مؤامرة « ولا اصطفافا سياسيا مع المعارضة ، هو فقط صرخة مدوية يريد اهالي المفقودين ان تصل الى مسامع السلطة وان تتحرك الاخيرة بما يوحي انها استوعبت الازمة التي يخفيها الغضب في الشارع. فالأزمة اليوم باتت ازمة ثقة بين الجهة وبين السلطة، وأزمات الثقة كبقع الزيت تتمدد في الثوب إذا لم تعالج بالسرعة اللازمة وبالكيفية المطلوبة. وهو ما لم يجده المحتجون في الصباح حينما منعتهم قوات الامن او في المساء حينما توجه اليهم الرئيس قائلا «صبرا يا اهل جرجيس ستأتيكم الحقائق مدوية».
هنا تتجلى الازمة الفعلية وهي ان السلطة التونسية تتعاطى مع جميع الاحداث، السياسية والاقتصادية والاجتماعية من منظور تحكمه ثنائية الخير المطلق والشر المطلق، وتداعيات هذه الرؤية هو انها تكبل السلطة قبل غيرها.
فالسلطة التي تصبح اسيرة نسختها من الحقائق تنحرف تدرجيا الى انكار الواقع ورفض الاصغاء او ابصار ما يحدث من حولها ناهيك عن الاستماع لصوت اخر من خارج اسوارها الايديولوجية التي حاصرتها.
جرجيس هي نموذج حي ومستمر عن هذا الانحراف، فالأهالي مطلبهم جلي وواضح وهو ان تبدي الدولة اهتماما جديا بقضيتهم وان تعمل على تمكينهم من دفن من فقدوهم بشكل لائق وهنا لن تكفي الكلمات او ابداء الاهتمام دون عمل فعلي او مساءلة لمن قصر او اهمل القيام بواجه في الملف وهم كثر خاصة وان
عدد من المفقودين اتضح انهم قد دفنوا في مقابر الجهة كمجهولين.
من تلك النقطة انفرط عقد الثقة بين اهالي المفقودين على الاقل وبين السلطة الجهوية قل ان تلتحق بها السلطة المركزية التي كررت ذات الخطأ وهو معالجتها للازمات السياسية والاجتماعية بمقاربة امنية لا تقتصر على الاستعانة، قوات الامن لمواجهة المحتجين بل فهم المشهد وقراءته.
ما يطالب به اهالي جرجيس ومن خلفهم جزء واسع من التونسيين ان تدرك السلطة ان ممارسة السياسية والحكم يتطلبان بالأساس الاصغاء لكل الاصوات وان تبصر الواقع بما هو عليه وليس بما تشتهيه السلطة وتأمل.