تداعيات الموجة العالمية لرفع نسب الفائدة على تونس: الخناق يشتد على المالية العمومية وقيمة الدين الخارجي سترتفع

يبدو ان الوضع الداخلي في تونس بكل تشعباته وفروعه وأزماته السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية شغل جزءا واسعا من التونسيين

في مقدمتهم النخب وأغرقهم في اليومي الذي اثر على عملية استيعاب المشهد الدولي الراهن وتداعياته على البلاد من ذلك الاثار المترتبة عن قرارات البنوك المركزية للقوى الاقتصادية الكبرى برفع نسبة الفائدة.

هنا لسنا في حاجة الى ألافتراض فهذه السياسات فرضت نفسها كأمر واقع ملموس اثر ويؤثر وسيؤثر على تونس وشعبها سواء من الضالعين والعارفين بمصطلحات تقنية اقتصادية على غرار حرب العملات او حرب العملات العكسية او عدم تطابق العملة وغيرها من المفردات التقنية البحتة التي تخفي خلفها تلالا من الازمات .

فجزء من الازمة التي تعانيها البلاد خاصة على المستوى الاقتصادي والمالي يعود بالأساس الى التداعيات المباشرة للحرب الروسية الاوكرانية التي انطلقت في فيفري الفارط ولتزال مستمرة مما يعني ان تداعياتها لن تقف عند نقطة ارتفاع اسعار المواد الاساسية سواء الطاقية او الغذائية بسبب نقص المعروض او تقتصر على اضطرابات لسلاسل التزويد في بعض الصناعات الحيوية الاخرى.

فهذه التداعيات هي المباشرة والصريحة لهذه الحرب التي بلغت شهرها الثامن ويبدو انها ستستمر لتفاقم من التداعيات الاقتصادية والمالية خاصة على الدول النامية والفقيرة وتونس منها. فهذه الحرب ادت الى ارتفاع نسبة التضخم بشكل مباشر في جل الدول دون استثناء خاصة دول المجموعة السبعة الكبار وفضاء الاتحاد الاوروبي.

تضخم يبلغ ارقاما قياسية بالنسبة للبعض كان يمكن اعتبار تأثيره محدودا على تونس واقتصادها لولا الاجراءات التي اتخذتها هذه الدول للتحكم في التضخم المستورد جراء ارتفاع اسعار الطاقة والمواد الغذائية بان رفعت في نسبة الفائدة من قبل بنوكها المركزية.

اول من قامت بهذه الخطوة هي الولايات المتحدة الامريكية عبر البنك الفيدرالي الذي اعلن نيته اتباع سياسية نقدية تقوم بالأساس على الترفيع في نسبة الفائدة للتحكم في التضخم وإبقائه عند مستويات مقبولة. وهي خطوة سبق ان لجأ اليها الفيدرالي في اكثر من مناسبة اشهرها في بداية الثمانينيات من القرن الماضي لمحاولة كبح جامح التضخم الذي بلغ معدلات قياسية ولم يتخل عنه الا بعد اتفاق «بلازا» الذي جمع مجموعة الدول الخمس التي اصحبت لاحقا تعرف بمجموعة السبع.

هذا الاجراء الذي لجأ اليه الفيدرالي الامريكي له تابعات على الاقتصاد الدولي وعلى المنظومة المالية الدولية فقد ادى هذا الترفيع في نسبة الفائدة التي تتراوح اليوم بين 2.25 و2.5 الى ان يحقق الدولار مكاسب وارتفع بنسبة 7 بالمائة امام اهم العملات المتداولة عالميا( اليان الياباني الجني الاسترليني الاورو وغيرها ) وهذا خلال الاشهر الستة الاخيرة.

اي ان الدولار حقق مكاسب امام كل العملات الدولية تقريبا نتيجة هذا الاجراء الذي يندرج في خانة ما يصطلح عليه في الاقتصاد بـ»حرب العملات العكسية» حتى وان كان الفيدرالي الامريكي يشدد على ان الترفيع في نسبة الفائدة لا يندرج ضمن هذه الاستراتيجية غير انه لم يكن كافيا لمنع تدحرج كرة الثلج وتتالي اعلانات البنوك المركزية في الدول الكبرى والكيانات القارية عن الرفع في نسبة الفائدة لامتصاص صدمتين بالاساس، التضخم وتراجع عملاتهم امام الدولار.

وأخر اعلان صدر يوم الخميس عن البنك المركزي الاوروبي بالترفيع في نسبة الفائدة بـ75 نقطة في محاولة هدفها المعلن هو كبح جماح التضخم والتحكم فيه ولكن خلف هذا الهدف هو تقوية سعر الاورو وتعزيزه امام الدولار للتحكم في اسعار المنتجات الطاقية التي تستورد الى الفضاء الاوروبي. وهذا ما كان للبنك المركزي الاوروبي اذ شهد اليورو تحسن طفيف امام الدولار.

هنا قد يكون التأثير المباشر الذي طال تونس بارتفاع سعر صرف الدولار امام العملة الوطنية التي شهدت انزلاقا متواصلا ففي 29 اكتوبر 2021 كان سعر صرف 1 دولار هو 2.81 دينار وفي 29 اكتوبر 2022 بات سعر الصرف 1 دولار هو 3.22 دينار. لم يستشعر بالشكل الكافي او ربما تحسن الدينار امام اليورو قد امتص هذه الصدمة اضافة الى الذهاب الى اعتبار ان الترفيع في نسبة الفائدة لامتصاص المستورد جراء ارتفاع اسعار المنتجات الاساسية وأسعار الصرف.

خيار قد يكون خفف قليلا من الصدمة التي قد نتجه اليها وستكون ناتجة عن ما يعرف اصطلاحا في الاقتصاد والمالية بـ»عدم تطابق العملات». فالتأثير المباشر لهذه السياسيات النقدية المتبعة من قبل البنوك المركزية في الاقتصاديات الكبرى والحرب الروسية الاوكرانية لا تقف السلبياتها عند نقطة ارتفاع تكلفة استيراد منتجات اساسية وأولية وانعكاس هذا المباشر على الاسعار عند الاستهلاك. هذا بدوره بات واقعا ملموسا لدى التونسيين.

بل الضغط الاكثر ثقلا اليوم هو ان هذه السياسيات النقدية المالية المتبعة من قبل البنوك المركزية الكبرى تؤدي بشكل مباشر الى تعزيز قيمة عملاتها وتقويتها وهو ما سيؤثر على اسعار الصرف بالنسبة للدينار التونسي. الذي فقد 12.79 بالمائة من قيمته امام الدولار وهذا سينعكس على قيمة الديون الخارجية لتونس فـ 24.4 % منها بالدولار. مما يعني ان قيمة الدين ونسبته سترتفع بشكل الي. ومثال ذالك ان افترضنا ان تونس تحصلت على قرض قيمته 1 مليار دولار في 29 /10 /2021 ما يعادل 2.81 مليار دينار تونسي حينها وستسدد ه بعد سنة، اي يوم امس. فانها ستكون مطالبة بان تضخ 3.225 مليار دينار تونسي مقابل 1 مليار دولار اي انها تكبدت اعباء اضافية قيمتها اكثر من 400 مليون دينار.

وبهذا سيتفاقم الضغط على التوازنات المالية العمومية، فقيمة الديون وخدمات الديون التي ستسدد تونس اقساطها خلال 2023 ستشهد ارتفاعا نتيجة ما يعرف بعدم تطابق العملات. هذا دون اغفال ان التحسن الطفيف للدينار امام الاورو ( ففي 29 اكتوبر 2021 سعر صرف 1 اورو هو 3.29 دينار وفي 29 اكتوبر 2022 سعر صرف 1 اورو هو 3.21 دينار)، قد ينتهى ونشهد انزلاقا للعملة الوطنية بعد القرارات الاخيرة للمركزي الاوروبي وهو بدوره سنعكس على 59.6% من الديون الخارجية لتونس.

وضعية صعبة ودقيقة ستكون عليها تونس في مستقبلها القريب والمتوسط، تفترض اليوم ان تشتغل كل مؤسساتها لايجاد اليات ومخارج تقلص من التأثيرات السلبية لهذه التقلبات المالية الدولية فدون هذا سنكون امام وضعية هي التالي : مداخيل الدولة تتراجع خاصة الجبائية نتيجة تراجع الاستهلاك وغيرها من عناصر تمويل الخزينة مع ارتفاع نفقاتها خاصة نفقات سداد الدين وخدمته، هذا دون الحديث عن نفقات الدعم.
وضعية صعبة نامل ان تكون السلطات قد ادركتها ورسمت خططا لتقليص تداعياتها واثارها، فكل ما تبقى هو الامل في ان يكون الماسكون بزمام الامور على علم بما يحدث حولهم والمخاطر التي تتهدد تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115