كان كلمتها امس في الندوة الوطنية الثلاثية بعنوان «إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس من أجل إنجاح التعافي بعد جائحة كوفيد».
كلمت دامت لدقائق معدودات بحثت رئيسة الحكومة فيها عن توجيه جملة من الرسائل التي لم تحسن تبليغها لمتلقيها، والسبب لم يكن القاؤها للخطاب وما شاب ذلك من أخطاء اتصالية جعلتها تثبت الصورة الانطباعية عنها وهي صورة سلبية.
ما حال دون ان تصل الرسائل الى وجهتها، هو السياق والزمان والمكان. اذ يبدو ان رئيسة الحكومة لم تصب اختيار زمن ومكان مخاطبة التونسيين. والشباب منهم على الاخص. ففي ظل ازمات متواترة عمقت التوتر الاجتماعي بحثت رئيسة الحكومة في كلمتها الافتتاحية لأشغال الندوة الوطنية الثالثة للحوار الاجتماعي على ان تشرح ضمنيا اسباب الازمة الاقتصادية التونسية و توجه رسائل طمأنة ابرزها ان الحكومة تعمل لرفع التحديات وتراهن على ان ينخرط التونسيون معها.
ومن اجل هذا لجأت الى معجم لغوي لم تحسن بودن اختياره، سواء بالاستعانة بشعارات انتخابية وسياسية للنظام السابق او تأثيث كلمتها بعبارات باتت علامة مسجلة لدى رئاسة الجمهورية. اضافة الى تناقض مضمون كلمتها مع ما يعيشه التونسيون يوميا من مشاق ومع ما تمر به علاقة حكومتها بشركائها الاجتماعيين من توتر صريح.
فنجلاء بودن وفي كلمتها أعلنت أن الاقتصاد التونسي في طريقه نحو التعافي والاستقرار وان حكومتها عازمة على تجاوز التحديات وتحقيق التوازن المالي واستكمال مسار الإصلاحات التي شرعت في تنفيذها. ومنها إجراءات عاجلة لتنشيط الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات وقد قدمت عينة منها وهي مرسوم يضبط أحكام خاصة بتحسين نجاعة انجاز المشاريع العمومية والخاصة وأمر يتعلق بالمراجعة الاستثنائية لاثمان الصفقات العمومية المتعلقة بالأشغال وثالثا إرساء المجلس الأعلى للتربية والتعليم بهدف رسم خطة إصلاح جذرية للمنظومة التربوية.
كل هذا اعلنته بودن بعد ان تحدثت عن الصعوبات الراهنة التي تعيشها تونس والتي تستوجب «ابتكار منوال تنموي جديد» انطلقت فيه الحكومة باعدادها لحزمة من الاصلاحات قالت انها اعدت وفق «مقاربة تشاركية مبنية على الحوار» وهو ما ادى في النهاية الى ان تتوج الجهود بالاتفاق الموقع على مستوى خبراء صندوق النقد الدولي. هذه الاصلاحات التي تشدد الحكومة على انها قامت على منهجية وعلى حوار واع ومسؤول مع الشركاء الاجتماعيين، تصطدم بجدار الاتحاد الذي اعلن عن عدم اطلاعه على بنود خطة الاصلاحات ولا بما تعهدت به الحكومة لصندوق النقد الدولي.
غير ان الكلمة التي حملت الكثير من المضامين الباحثة عن تفسير الازمة التونسية بانها متاتية بالاساس من التقاء الجائحة والحرب الروسية الاوكرانية واهتراء منوال التنمية القديم، لم تكن هي عصارة الخطاب بل رسالة بودن الاخيرة التي حملت معها اول خطاب سياسي صريح للتونسيين.
فنجلاء بودن ارادت ان تخاطب الشباب التونسي وان تتوجه له مباشرة بكلمة مفادها ان «تونس وطنكم ولكم فيها ما تعملون وما تصنعون وما تبنون من آمال وما تحققون من أحلام..فلنكن معا صانعي امل وحياة ولنثمن ما جني ونصلح ما يجب إصلاحه ونعمل بعزم وحزم حتى نحقق ما نسمو إليه جميعا من كرامة وعدالة وحرية وتنمية..طريقنا واحد نحو تحقيق مشروعنا الوطني المنشود فلنرفع هذا الرهان والتحديات معا».
هذه العبارات كانت اول تعليق صريح من رئيسة الحكومة على تواتر الاحتجاجات الاخيرة وعلى ارتفاع منسوب الغضب والاحتقان الاجتماعي وعلى هيمنة النظرة التشاؤمية للمستقبل لدى شريحة واسعة من التونسيين.
كلمات تختزل في دعوة بودن الشباب والتونسيين الى «الثقة في الدولة»- وهنا يمكن البحث عن صورة هذه الدولة في المعجم الرئاسي المستعار من قبل نجلاء بودن لمخاطبة التونسيين بعد ان غابت عنهم في كل الازمات التي مروا بها انطلاقا من نقص المواد الاساسية الى فواجع غرق مراكب هجرة غير نظامية ...