الفارطة والتي تمس بشكل مباشر المعاش اليومي للتونسيين. الذين واجهوا خلال الاشهر الستة الاخيرة تداعيات اضطراب عمليات التزويد بالمواد الاساسية.
منذ افريل الفارط، ساد الاضطراب على نسق التزود بمنتجات ومواد اساسية سواء للاستهلاك الفردي والمنزلي او الاستهلاكي الصناعي والخدماتي. ليسجل انقطاع لمواد وغيابها من السوق بشكل متواتر متكرر خلق ارتباكا على حركية السوق وقدرتها على تلبية الطلب.
سلع ومواد اساسية تهيمن الدولة بشكل اساسي على عملية استيرادها او توزيعها في السوق او تتدخل بشكل مباشر او غيره في تنظيم السوق الخاص بها، كالنفط ومشتقاته او الزيت والسكر والقهوة وباقي المواد الاستهلاكية التي باتت عملية توفيرها سواء للإفراد والأسر او للمصنعين او مقدمي الخدمات امرا «شاقا».
صورة استحضرت يوم امس في علاقة بفقدان مادة الخبز من جل المدن التونسية جراء ايقاف اصحاب المخابز المصنفة بكامل تراب الجمهورية لنشاطهم على خلفية عدم سداد الدولة لمستحقاتهم منذ اكثر من سنة، وفق غرفتهم الوطنية التي تقدر حجم مستحقاتهم بـ250 مليون دينار ضمن خانة مستحقات الدعم، اذ تلتزام الدولة بدفع 24 دينار عن كل قنطار من الطحين المدعم يستعمل لإنتاج مدة الخبز. مع العلم ان الحصة الشهرية للمخبزة الواحد من الطحين المدعم هي 118 قنطار.
هنا يتضح مرة اخرى ان اضطراب السوق ونقص مادة الخبز يعود الى «ازمة المالية العمومية» والى الخيارات المتبعة من قبل سلطة الاشراف التي تبحث عن ادارة تحفظ اموالها المختلة بطريقة غير فعالة ولا ناجعة ادت بها في النهاية الى ان ازمة هيكلية في جل القطاعات التي تتدخل فيها او تشرف عليها.
ازمة الخبز وازمة النفط والسكر وغيرها من المواد التي فقدت من السوق هي بالأساس نتاج لفشل السياسات العمومية ولعدم تحرك الدولة بأجهزتها وجسمها الاداري والمالي بالكيفية اللازمة او المطلوبة لاحتواء انعكاسات هذه الازمة المباشرة على الحياة اليومية للتونسية ومحاولة تقليص ارتداداتها او على الاقل الخروج ومصارحة التونسيين بما تواجهه البلاد.
خيار اتبعته السلطات منذ افريل الفارط بانطلاق الازمة بشكل طفيف حينما عانى السوق من فقدان بعض المواد لآجال قصيرة وبشكل متباعد لكن منذ ذلك التاريخ بات جليا ان الدولة لم تعد تستطيع المحافظة على توازناتها المالية ولا الايفاء بكل تعهداتها والتزاماتها وبات عليها ان تضع اولويات للإنفاق العمومي مع الحرص على عدم الاصداح صراحة بوجود ازمة مالية عمومية.
خيار السلطة يومها كانت له غايته السياسية وهي تجنب فزع الشارع او ارباكه لتجنب انتكاسة تصيب المسار السياسي للرئيس، هذا الخيار الذي استمر بعد الاستفتاء ولازال الى اليوم قائما لم يعد يجدي او ينفع السلطة، فالأزمة لم يعد من الممكن احتواؤها في ضمن اروقة الحكم او اخفائها في جداول التوازنات المالية، اذ باتت واقعا يعيشه التونسيون بشكل شبه يومي، فيوميا هناك مادة مفقودة ومن الصعب التزود بها.
صعوبات غادرت جداول الارقام لتصبح معاشا يوميا يسلط ضغطا على سلطة الحكم التي لم تعد تواجه فقط غضب النخب الحقوقية او النشطاء او السياسيين بل باتت تواجه غضب الشارع الذي يطالبها بـ»المنجز» الاقتصادي والاجتماعي بعد اكثر من سنة على تسلم الحكومة لمهامها وأكثر من 14 شهرا على تفعيل الاجراءات الاستثنائية ومسك الرئاسة بزمام الحكم.
فترة من منظور الشارع كافية ليرى ثمار السياسات العمومية ويستشعر تحسن حياته اليومية، كما انها فترة كافية لاختبار الحاكم ومعرفة مدى قدرته على تلبية حاجيات الشارع الاساسية وهنا لم يعد لخطاب «المؤامرة» او الحديث عن «ثقل التركة» او فساد المنظومة السابقة قادرا على كبح الغضب وتبرير الصعوبات التي يعيشها المواطن لتوفير حاجياته الاساسية.
هنا تتقاطع كل العناصر التي تغذي التوتر الاجتماعي وتدفع به الى «الانفجار»، فما يستشعره قطاع واسع من التونسيين ان معاشهم اليومي في تدهور رغم اعتقادهم بان الاشكال المتسبب في ذلك قد تمت معالجته بوجود سلطة تنفيذية قوية وموحدة.
لكن هذه السلطة التي دعموها لم تحل دون غلاء الأسعار ولا اهتراء المقدرة الشرائية ولا منع غياب المواد الاساسية من السوق كما انها لم تقدم لهم غير الخطاب المؤامراتي والتبرير الذي يحمل الاخر مسؤولية الفشل في تحقيق منجز اقتصادي واجتماعي واضح وملموس.
وفي غياب هذا المنجز لن يكون بمقدور السلطة ان تدافع عن نفسها بمشروعية الانتخابات او الاستفتاء او المهمة التاريخية، فخصمها ليس طرفا سياسيا لتناوره بل هو شارع يستشط غضبا لغياب اي منجز ملموس او تحسن تمثل الدولة له واستيعابه في فضائها العام دون تمييز للمهمشين منه.