تستمر الاحتجاجات الشعبية في كل من جرجيس وحي التضامن: القطيعة بين الشارع ونخبته السياسية حكما ومعارضة

لو استعرنا من نعوم تشومسكي زائره «الصحفي القادم من المريخ» باعتباره فاعلا محايدا ومكناه من ان يتجول في البلاد مشاهدة

اخبارها وأحوالها وانتظرنا منه ان يعلمنا بما يراه فهل تراه يغفل عن ان يسائل الطبقة السياسية برمتها عن التناقضات التي يجسدها خطابها وسلوكها الرافع لشعارات الانتصار والحديث باسم «الشعب» مع واقع القطيعة بينها وبينه.
أول ما قد يشد انتباه هذا الزائر من المريخ التناقض بين ديناميكية رسمية اي دينامكية الدولة ونخبها والتي تتضمن المعارضة بكل تشكيلاتها وبين «الشارع» او المهمشين الذين يتحركون كافراد او في مجموعات متفاوتة الاحجام بعيدا على الفضاء الرسمي واطره في محاولة لفرض مطالبهم على اجندة الدولة.
هنا ستلفت انتباهه الاحتجاجات الاجتماعية في جرجيس والاحتجاجات الليلة في حي التضامن بالعاصمة او بولاية بنزرت واختلاف المحركات في هذه الاحتجاجات والجهات التي تستهدفها واختلاف المطالب العاجلة التي ترفع. اي سيلاحظ اتساع رقعة الغضب وبداية تشكل ديناميكية شعبية غير مؤطرة ولا منظمة تقدم نفسها باحتشام كإحدى تجليات حركية احتجاجية منفصلة عن باقي الانساق والأطر والرسمية وهي تستهدف السلطة وتدينها ولكنها ترفض ان تتحرك في فلك المعارضة.
كما سيلاحظ ان هذا «الهامش» قد اتسعت دائرته وتمددت لا فقط من حيث الحيّز الجغرافي بل من حيث الانتماءات الاجتماعية لمن اصابتهم فواجع الدهر فباتوا جزءا من عوالم الهامش الاجتماعيّة والثقافية واللسانيّة والرمزيّة المستقلّة بذاتها عن السائد او الرسمي، جراء سياسيات ادت الى استمرارية الانقسام وتغذية الشرخ الذي يجعل جزءا واسعا من التونسيين يكونون مقيمين دائمين في «الهامش» الذي يعرف كحيز جغرافي في الخطاب السياسي، الاحياء الفقيرة والمدن الفقير والريف او عبر التقسيم التقليدي ساحل وداخل. وغاب عنه التقاط المتغيرات والمؤشرات عن اعادة تشكل هذا الهامش حول قضايا ومطالب وانتظارات لا حول حيز جغرافي منسي او يعاني من الخصاصة.
وهنا ايضا سيتضح للزائر المرّيخي ان الهامش كـ«حيز جغرافي» هو السمة المشتركة التي تحضر بقوة في الخطاب السياسي لمن في الحكم او المعارضة في اطار صراعهم على ادارة الشان العام، اي ان الذي باسمه تتصارع الطبقة السياسية من سلطة ومعارضة، غير معني بهذه الصراعات الا جزئيا وان ما يعنيه هو مطالبه الاجتماعية وأولوياته وانتظاراته التي لم يقع الاستجابة إليها أو الاهتمام بها حتي حينما بحث هذا الهامش لنفسه عن تعبيرات سياسية او احتجاجية لتحقيق اختراق يقربه من السلطة ومن الفاعلين السياسيين على امل ان تجد مطالبه الفردية او الجماعية مكانها في اجندة الدولة وأولوياتها و ان يقع رأب الهوة.
هامش يختزل في بعض الصور النمطية وبعض محاولات الحديث باسمه لا يتم التطرق اليه لمحاولة فك ابعاده الا في الدراسات السوسيولوجية خاصة بعد الثورة، في اطار البحث عن الدور الذي لعبه هذا الهامش في التعبئة ضدّ النظام الحاكم وأدت الى الثورة في 2011. او محاولة تفكيك رد فعله على الثورة وما تحقق منها عبر دراسات وورقات بحثية اشتغلت على مسألة الهجرة «غير النظامية» أو العنف أو التطرف العنيف وبحثت اثبات فرضيات تتناول العلاقة بين التهميش وبين هذه الظواهر الاجتماعية .
هامش انطلق في جولة جديدة من الاحتجاجات التي اختلفت ازمنتها ورمزيتها من جرجيس الى حي التضامن والانطلاقة بالعاصمة، فاختلاف المطلب والمحرك الاساسي ادى الى اختلاف الفعل الاحتجاجي الذي لا يبحث هنا عن دفع الدولة الى التحرك والاستجابة بل عن مواجهتها وادانتها هي وكل النخبة المرتبطة بها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115