باستثناء بعض التصريحات الصادرة عن رئيس الجمهورية او عن اعضاء من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتي بدورها تضفي المزيد من الضبابية على المسار الانتخابي.
أثناء لقائه في نهاية الاسبوع الفارط مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن اشار الرئيس قيس سعيد الى نيته تعديل القانون الانتخابي لوضع حد لما يعتبره تلاعبا من قبل اطراف سياسية استغلت النص القانوني الراهن لتمارس ما يصفه بسلوكيات مشينة يقصد بها المتاجرة بالتزكيات.
فرئيس الجمهورية الذي يؤكد ان الابحاث الاولية بينت ان من ضخوا الاموال الفاسدة في المسار الانتخابي هدفهم «إدخال الارتباك في صفوف المواطنين وبثّ الفوضى خوفا من الإرادة الشعبية» وذلك تفسيره لما شهدته فترة جمع التزكيات من تجاوزات ومن تلاعب.
وهذا ما دفع الرئيس إلى اعتبار ان القانون الانتخابي الراهن لم يكن كافيا لمنع هذه الانحرافات وأن الواجب يقتضي تعديله، وذلك من شأنه ان يربك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي نشرت منذ سبتمبر الفارط روزنامتها الانتخابية والتي تتضمن فتح باب الترشح للانتخابات التشريعية في 17 اكتوبر الجاري اي يوم الاثنين القادم.
موعد وضعته الهيئة بالاستناد الى النص القانوني الراهن وإذا تم تعديله ستكون الهيئة امام معضلة ملاءمة روزنامتها للنص الجديد وما يحمله من تعديلات. خاصة وان ما تبقى من فترة جمع التزكيات لا يتجاوز 6 ايام ولا تعلم الهيئة ما إذا كان اعلان الرئيس عن نيته تعديل القانون سيطبق او لا. وهو ما دفع برئيسها فاروق بوعسكر الى الاعلان صراحة عن رانه ليس مع تعديل النص القانوني في هذا الوقت. وإذا كان الأمر ضروريا فيجب ان يؤخذ رأي هيئته وان يكون التعديل مدروسا.
هنا يتضح ان الرئيس لم يتشاور مع الهيئة كما لم يعلمها بنيته تعديل القانون قبل لقائه برئيسة الحكومة وان اعلانه عن نواياه صادر عنه دون مشاورة أي كان. وهو ما يبين ان الرئيس ماض في خياراته وقراراته دون تراجع او محاولة البحث عن مقبولة لدى اي طرف او التمهل لدراسة ما قد يحدثه الامر من اشكاليات.
تلويح الرئيس بتعديل النص القانوني المنظم للانتخابات التشريعية سيحدث ازمة تتعلق بمصير 140 الف تزكية تم جمعها من قبل المترشحين للانتخابات، ويطرح الكثير من نقاط الاستفهام بشانها وهل سيقع الابقاء عليها واعتمادها او انها ستلغى كليا ام جزئيا وكيف سيقع الفصل في مصدر التزكيات وطريقة جمعها، عشرات الاسئلة والاشكاليات اثارها الرئيس بقول وحيد.
وقد تكون المعضلة من وجهة نظر انصار الرئيس «شكلانية» لا تؤثر على المسار ولكنها معضلة تعمق من ازمة المسار الانتخابي الذي يعاني منذ بدايته من تشكيك في مشروعيته ومن عزوف ومن مقاطعة واسعة من الطبقة السياسية. فجل الاحزاب السياسية سواء التي قاطعت الاستفتاء او شاركت فيه ودعت بالتصويت بلا على الدستور الجديد بل وبعض من القوى التي كانت في صف الرئيس ومسار 25 جويلية اعلنت مقاطعاتها ومراجعتها لمواقفها من المسار برمته.
فمسار الانتخابات التشريعية التي اعلن عن موعدها في كلمة الرئيس في 13 ديسمبر 2021 ونشر القانون المنظم لها في منتصف سبتمبر الفارط بعد ان وقعت المصادقة على الدستور الجديد ونشره في نهاية اوت الفارط، يعاني من عقبات جمة قد لا تؤثر اليوم عليه بشكل مباشر وصريح ولكنها تنزع عنه الكثير من الموثوقية والمصداقية.
فهذا المسار الذي يتعاطى معه الطيف السياسي على انه استمرار لمسار 25 جويلية 2021 واستمرارية لنهج الانفراد بالحكم يجابه جملة من التحديات الكبرى التي لا تقف فقط عند مستوى مقاطعة الاحزاب السياسية التقليدية وخاصة المعارضة ولا في انه دفع مثله مثل مسار الدستور بطيف واسع من مساندي الرئيس الى الضفة المقابلة بل اكبر تحد له هو ان يصل لنهايته دون نيران صديقة.
فالرئيس وبشكل واع او دونه ادخل الارباك على مساره الانتخابي وطعن فيه حتى وان كان القى باللائمة على خصومه ممن اعتبر انهم «يخشون الارادة الشعبية»، اذ ان الرئيس اطلق النار على مساره حينما شكك في احدى مراحله وهي مرحلة جمع التزكيات بل وذهب الى ابعد باعلانه عن عزمه على تنقيح القانون الانتخابي بعد ان انطلقت مرحلة جمع التزكيات واليوم هو امام معضلة كبرى اما ان ينقح فيتفاقم ارتباك مساره او ان يمرّ وكان شيئا لم يحدث.