اقترح تحويرا وزاريا جزئيا: الحبيب الصيد يريد اللعب في الوقت البديل!!

لا شيء يجري في تونس وفق معقولية واضحة وهذا ما يجعل من استشراف المستقبل القريب أمرا على غاية الصعوبة...

لا أحد كان يتوقع بأن يعيق رئيس الحكومة الحبيب الصيد أية مبادرة تنطلق من القصر بما في ذلك الباجي قائد السبسي نفسه... ولعله لهذا السبب لم ير من موجب لتشريك صاحب القصبة في طبخ وإعداد مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، ظنّا منه أن الحبيب الصيد لن يملك إلا أن يسلم لرئيس الجمهورية بما يريد وأنه سوف يسارع بالاستقالة حتى تأخذ المبادرة الرئاسية منعرجها المطلوب وتحدث الرجة النفسية المرجوة لدى الطبقة السياسية والرأي العام أيضا...

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان... فالحبيب الصيد أراد أن يظهر لرئيس الدولة بأنه فهم مبادرته بالصيغة الحرفية التي وردت بها في حواره التلفزي يوم الخميس الفارط أي رئيس الحكومة الحالي بإمكانه أن يقود هو حكومة الوحدة الوطنية الجديدة واقترح لذلك شكلا دستوريا وهو التحوير الوزاري الجزئي وكان ذلك في اللقاء الذي جمعه بصاحب قرطاج صباح يوم أمس.

والسؤال هو لِمَ عمد الحبيب الصيد لهذا التكتيك والحال أنه يدرك بوضوح بأن المبادرة الرئاسية تعني فيما تعني تغيير رئيس الحكومة وهي وإن لم تجزم بهذا فمن سبيل اللطف الديبلوماسي لا غير؟

الواضح أن الحبيب الصيد مستاء جدا من الطريقة التي أعلن بها رئيس الجمهورية مبادرته وأنه يريد أن يقول بهذا المقترح المفاجئ بأنه ينبغي أن يُحسب له بعض الحساب وأنه لا يريد أن يخرج من الباب الخلفي من السياسة لا سيّما وأنه لم يطلب دخول هذه المغامرة ولا سعى إليها باعتراف صاحب قرطاج نفسه..

ولا يستبعد بعضهم بأن يكون الحبيب الصيد مدفوعا من بعض مستشاريه، مقتنعا بأن حركة النهضة مازالت على دعمها اللامشروط له وأنها لن ترضى عنه بديلا... وإن صحّت هذه الفرضية فهذا دليل إضافي بأن رئيس حكومتنا غير متعود بالمرة على دروب السياسة وفنونها... ففي تلك المجرّة لا وجود لأصدقاء على الدوام أو لأعداء أزليين... السياسة معادلة معقدة تحكمها موازين القوى... ومادام الباجي قائد السبسي قد رفع يديه عن الحبيب الصيد فأصبح وزن هذا الأخير في معادلة الحكم لا يضاهي شيئا يذكر وهذا ما فهمته حركة النهضة بوضوح عندما يقول كبار قيادييها: نحن نساند الحبيب الصيد ما دام حائزا على ثقة رئيس الجمهورية وثقة الحزب الذي رشحه أي نداء تونس...

ولكن الباجي قائد السبسي قد أعلن نهاية حكومة الصيد يوم الخميس الماضي.. أعلنها وفق طريقته الخاصة ووفق خدعة لاعب الشطرنج فهو يقول ويخفي ولا أحد يعلم بالضبط ما هي خطته الحقيقية ولا ما هي الحلقات القادمة لتنفيذها...
فهذا تكتيك الرجل منذ عقود.. تكتيك تعلمه من أبيه الروحي بورقيبة وإن كان خصوم الرئيس الحالي يقولون بأنه تعلم التكتيك جيدا ولكنه لم ينبغ في الاستراتيجيا...

على أية حال فلا مجال للمقارنة في هذا الباب بين الحبيب الصيد والباجي قائد السبسي فالأول أوراقه محدودة ومكشوفة في ذات الوقت أما الثاني فأوراقه عديدة وهو لا يظهر منها إلا ما يستطيع به إخفاء خطته الحقيقية...
وفي المحصلة فلن يكون الحبيب الصيد عائقا كبيرا أمام الخطة الرئاسية لأن صاحب القصر يدرك جيدا بأنه لو قبل بـــ»الحلّ» الذي اقترحه عليه صاحب القصبة أي تحقيق حكومة وحدة وطنية بواسطة تغيير وزاري جزئي مع الإبقاء على الحبيب الصيد كرئيس للحكومة فعندها ستكون النهاية السياسية للرجلين معا...

المهم هنا هو أن طيّ صفحة الحبيب الصيد لن تكون سهلة كما كان متوقعا ولكن لا نعتقد في نفس الوقت بأن رئيس الحكومة سيدخل في عملية ليّ ذراع مع رئيس الجمهورية... هو فقط يريد اللعب ولكنه لم ينتبه إلى إشارة الحكم التي أنهت الوقت القانوني وأضافت أياما معدودات للوقت البديل... وأنه في قواعد السياسة كما كرة القدم لا يوجد وقت بديل ثان..

الإشكال الأساسي سوف يبقى في إنجاز حكومة الوحدة الوطنية في حيّز زمني معقول، أي في النصف الأول من شهر رمضان، فإطالة الأمد سوف يدخل البلاد في حالة من التراخي مضرة بمصالح العباد... وهنا الصعوبات أكبر بكثير من المقاومة التي يبديها الآن الحبيب الصيد...

فالتوسعة الاجتماعية لحكومة الوحدة الوطنية لم تحصل بالشكل الذي أراده الباجي قائد السبسي أي الانخراط الفعلي لاتحاد الشغل ولاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.. فاتحاد الشغل سيشارك في الحوار حول أهداف وتركيبة هذه الحكومة ولكنه لن ينخرط فيها بصفة مباشرة... وهذا يعني أنه لن يعطيها صكّا على بياض وسيبقى يترصد زلاتها وأخطائها ولا سيما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وكذلك في سياسات مختلف الوزراء إزاء النقابيين...
والدليل سوف يكون ماثلا أمام أعيننا عندما سيناقش مجلس نواب.....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115