ولا قدرة لنا على تحميل المسؤول عنها مسؤولية الوضع ومساءلته عما بلغته الوضعية من تدهور.
ففي الاسبوع الذي نودعه اليوم. اتضحت في بدايته صورة عما سيكون عليه مجلس النواب القادم. بعد ان قدمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جملة من القواعد والإيضاحات التي كشفت عن ان البلاد تتجه الى انتخابات على الافراد لا الى انتخابات في دوائر فردية، والفرق بين نظامي الاقتراع شاسع.
فان تعلن الهيئة العليا ان الانتخابات ستكون على الافراد وان الاحزاب لا يحق لها خوضها بشكل مباشر او القيام بحملات انتخابية اضافة الى نشر جذاذة التزكية في نسختين تتضمن كل منهما تفاصيل عن مشروع المترشح وتعهداته الانتخابية وتحصرها فقط في التنمية المحلية وتلك ترجمة صريحة ومباشرة لما حمله الدستور من بنية سياسية تدار بها البلاد.
فالدستور الذي سلب من البرلمان حزمة من الصلاحيات وحدد دوره عمليا في المصادقة على القوانين المالية او القوانين المقترحة من السلطة التنفيذية، سيتكون اليوم من افراد سيكونون مشغولين بتحقيق وعودهم التنموية في محلياتهم اكثر من انشغالهم بإدارة الحياة العامة والسياسية للبلاد والبحث عن احداث توازن مع سلطة تنفيذية ستتغول وتستولي على كل شيء، من ذلك التشريع وتحديد الاولويات.
الهيمنة على الفضاء العام ادارة البلاد ورسم سياساتها بات جليا في القانون الانتخابي وما فصلته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قواعد تحدد المعنيين بخوض هذه الانتخابات وحملتها وذلك في ترجمة صريحة لنص دستوري صاغه عقل يسبّق النص القانوني على العملية السياسية.
تفضيل كشفه الرئيس والمحيطون به وتحدثوا عنه باطناب وشرحوا كيف ان النص الدستوري والقانوني ونظام الحكم القاعدي هما الحل السحري لازمات البلاد ووعدوا الناس بالرخاء الذي سينتج عن تطبيق هذه النظريات القانونية التي يمكن ان تختزل بانها تعد الناس «بديمقراطية» تمكنهم من ان يسيروا شؤونهم بانفسهم ويحددوا السياسات العمومية الواجب اتباعها.
سياسات لن ترى النور فالنظام السياسي الذي لن يستكمل الا بانتخابات مجلس الجهات والاقاليم سيفرز في النهاية «غرفا تشريعية» خاوية من اية صلاحيات ولا قدرة لها على رسم سياسات عمومية او المشاركة في رسمها كما أنه ليست لها القدرة على لعب دور المراقب والمسائل، هي مجالس افراد غارقين في المحلي لا ينتظر ان تتشكل صلبها اي كتل او مجموعات تتبنى سياسات عمومية وطنية. وبالتالي فانها ستترك مجال التشريع وادرة كل اركان الحكم للسلطة التنفيذية وللادارة. هنا يتضح ان من سيحكم بشكل مباشر هو الادارة ومن فوقها رئاسة الجمهورية ولكن هذين الطرفين لا يمكن ان يساءلا ولا ان يراقبا.
وغياب الرقابة والمساءلة بحد ذاته كاف لتبيان الوضعية السريالية التي نتجه اليها، سلطة تحكم ولا تحاسب او تساءل ولا يمكن ان تدفع الى الاستماع لغير صوتها، وصوتها اليوم بعد سنة وشهرين وبضعة ايام اوحى اليها انها في طريق سليم رغم كل المؤشرات والاضواء الحمراء التي انيرت اماما لتنبئها عن مخاطر المسار الذي تمضي فيه.
وأخر الاضواء التي احمرت كان التصنيف الجديد من وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني التي وضعت تونس في خانة Caa1 مع افاق سلبية والفرضيات التي ستجابهها البلاد في السنوات القادمة.
خطر يتضح جليا ان تجازه سيكون شبه مستحيل في ظل وضع عام تهيمن عليه الاهواء والرغبات الفردية أيا كانت شرعيتها ومشروعيتها، فالبلاد اليوم في حاجة الى ان تلتفت الى اولويتها المستعجلة وهي بادية اصلاح كل منظوماتها العمومية والاقتصادية لتتمكن من رسم طريق الخروج من النفق الذي بات يضيق يوما عن يوم.