الاحتجاجات النسائية –الإيرانية: دروس وعبر

ما الدروس التي يمكن أن يتعلمها الساسة ومختلف مكونات المجتمع المدني من الاحتجاجات النسائية الإيرانية الأخيرة؟

سؤال يجد مبرّره بعد التحولات التي عاشها التونسيون/ات على امتداد أشهر والتي أفضت إلى لجوء أعداد غفيرة إلى «الحرقة» اعتقادا منهم بأنّها أفضل وسيلة مُتاحة لتغيير الواقع أو اختيار بعضهم للهجرة النظامية أو إقدام أفراد على الانتحار حرقا للتخلّص من أعباء اليومي وإكراهات ما عادوا قادرين على تحمّلها. إنّه واقع معقّد وصعب يُنذر بردود فعل غير متوقعة.

يكمن أوّل درس في عدم الاستهانة بالجماعة التي تُتمثل على أنّها ضعيفة ومنضبطة ومهادنة ومتقبلة للقوانين والمعايير الاجتماعية والقيود و... إذ كلما استمرت الضغوط على الناس اشتدّ غضبهم وانفلت عقالهم وكلّما ازداد القهر استوت الأضداد: الموت والحياة.

أمّا الدرس الثاني فيتمثّل في أنّ الغضب صار من أكثر الأهواء المشتركة بين الناس على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم التعليمية وأعمارهم... وقد تحوّل إلى عنصر أساسي محفّز على الاحتجاج والعصيان والتمرّد وعلى الانضمام إلى الحركات الاجتماعية دفاعا عن العدالة الاجتماعية. ومهما حاول المستفيدون من أنظمة الاستغلال والقهر تشويه صور المحتجين/ات والتلاعب بالروايات فإنّ الجمهور ما عاد يصدّق بل إنّه يبدي تعاطفا مع المقهورين أو احتراما لنضال الأفراد والجماعات من أجل الكرامة والمساواة وتحقيق العدالة بين الجميع. وليس الغضب شكلا من أشكال التعبير والتفريج عن الكرب بل إنّ الحالة الغضبية قد تأخذ مسلكا مغايرا ينذر بالخطر لذلك تراقب الدول درجات غضب الجماهير لأنّها تعي النتائج المترتبة عن الانزياح أو توظيف غضب الجماهير لغايات مختلفة.

ويتلخص الدرس الثالث في أنّ السياسي عندما يبدي غضبه من الفاسدين والخونة والعملاء ... فإنّه يتكلّم من المركز ومن موقع أصحاب الامتيازات القادرين على التعبير عن غضبهم واستيائهم من خلال خطاب «بليغ» ولكنّه لا يشترك مع المهمّشين والمقهورين في التجربة: إنّه لا يدرك معنى أن تتحمّل ممارسات الشرطة ‘القهرية’ وأن تهدر كرامتك وتهان أمام الملإ وأن تتحمّل أشكال العنف الممارس على جسدك ونفسك...ومعنى أن تكون ممنوعا من التعبير عن الغضب.

ولا يمكن تجاهل الدرس الرابع المتمثل في ابتكار أشكال احتجاجية جديدة في المجتمعات «العربية والإسلامية» قائمة على تحويل الأجساد الأنثوية إلى أدوات لمواجهة السلطة القهرية. فليس حلق النساء أو قص شعورهن وحرق حُجبهن مجرّد تعبير عن غضب النسوان الذي لا يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار لأنّهن «ناقصات عقل ودين» يرغبن في «تقليد الكافرات» و«التشبه بالرجال» بل إنّه فعل سياسي بامتياز. فمنذ أشهر تبادلت روسيا الأسرى مع أوكرانيا وظهرت المجندات الأوكرانيات حليقات الرؤوس، ولجوء المؤسسة العسكرية الروسية إلى هذه الممارسة دال على الرغبة في إذلال العدو وإهانته من خلال العنف الممارس على نسائه.

نزع حجاب الرأس وإظهار الشعر أو قصّه هي مشاعر سياسية معلنة في الفضاء العام، وهو علامة على القدرة على مواجهة الخوف الذي زرعته الأنظمة وطوّعت من خلاله الجمهور، وهو حجّة على التحرّر من قبضة النظام السياسي والنظام الأبوي وممثّلي المؤسسة الدينية والأيديولوجيا و... ولو لبضعة أيام. إنّه استعادة المرأة لسلطتها على ذاتها وانتزاع حقها في التحكم في جسدها، وفي اختيار المظهر الذي يليق بها، وهي أفعال تثبت أنّ الناس غيّروا علاقاتهم بأجسادهم وحوّلوها إلى وسائل للتمرّد على المعايير والقوالب التقليدية والسلطة القهرية بعد أن جرّبوا كلّ الوسائل.

جماع القول إنّ الحركات الاجتماعية الجديدة تثبت حصول ديناميكية مثمرة وتجدّد طاقة المجموعات المهمّشة كما أنّها تدل على طرائق اكتساب الناس وعيا مغايرا للمألوف يجعلهم يتعلمون ما معنى أن تكون غاضبا في عالم متأزّم؟ وكيف تعبّر عن غضبك؟ وكيف توظف الغضب لتتفاوض مع مختلف السلط؟
ظاهر الرواية: مقتل امرأة قاد إلى اندلاع الاحتجاجات ومطالبة النساء بالتحرر من الحجاب المفروض عليهن، وما وراء الرواية:غضب الناس من ممثلي الهيمنة ومن تدهور الأوضاع الاقتصادية واتساع الفجوة بين الطبقات وفشل سياسات الإصلاح...قاد إلى احتجاجات أربكت السلطة وعندما تتحرّك النساء يرتجف

النظام.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115