الرئيس وترشيد استيراد السلع الكمالية: الشعبوية والاقتصاد...خطَان متوازيان

في لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن تحدث الرئيس قيس سعيد عن ضرورة الضغط على توريد المواد الكمالية،

والتي ربط بينها وبين اختلال الميزان التجاري والأزمة التي تعيشها المالية العمومية.
مقاربة الرئيس كشف عنها في البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية اول امس الاثنين وجاءت فيه اشارة واضحة وصريحة إلى ان الرئيس يعتبر ان استيراد السلع الكمالية من اكل خاص بالحيوانات الاليفة او من مواد تجميل وعطورات يستنزف احيتاطيات البلاد من العملة الصعبة واعتبر انه يقع استيراد هذه المواد على حساب الحاجيات الاساسية للبلاد.
وضع اشار الرئيس الى ضرورة تغييره وذلك بتحمل المجموعة الوطنية لعبء الوضع الاقتصادي الصعب على قاعدة العدل الاجتماعي. ووفق نص البلاغ فان «الواجب الوطني يقتضي أن يشعر كل طرف بمسؤولياته وأن نتحمل الأعباء كمواطنين يشعرون بانتمائهم للوطن ويبذلون كل جهودهم من أجل تجاوز هذه الأزمات».
بهذه الكلمات قدم رئيس الجمهورية مقاربته لمعالجة حزمة من الازمات الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد منذ اشهر عديدة. ويرى ان ترشيد الاستيراد سيكون احدى الحلول الناجعة لمعالجتها. وذلك ضمن حزمة من الحلول التي يقترحها الرئيس في خطابه السياسي على الحكومة وعلى التونسيين.
حلول راهن الرئيس على ان تحقق نتائج إيجابية او على ان تقدم مؤشرات عن النوايا الطيبة للرئاسة في الملف الاقتصادي وكيفية معالجة عجز الميزان التجاري الذي ترى انه العنوان الابرز للازمة المركبة والتي باتت اليوم تتجلى في شح المواد الاستهلاكية الاساسية من الاسواق وتعثر سلاسل التزود بها.
مقاربة الرئيس التي يطغى عليها العنصر السياسي ويهيمن عليها نفس شعبوي يقسم المجتمع الى صنفيين، اغنياء يتحملون مسؤولية الفشل او الازمة التي تعيشها البلاد وفقراء وجب الانتصار لهم ورد حقوقهم ولو كان ذلك بالخطاب والمغازلة السياسية.
فخطاب الرئيس الذي سقطت عنه الكثير من العناصر او ربما حجبت خطاب سياسي لا اقتصادي، اذ ان الرئيس ظل وفيا لعناصر الخطاب الشعبوي ويوم الاثنين الفارط قدم الرئيس خطابا غازل فيه جزءا من التونسيين بان قدم لهم جزء اخر من التونسيين المغضوب عليهم كهدف لاشباع رغبة الانتقام ولتحميلهم مسؤولية تردى الاوضاع بخطاب سياسي لن يقدم اي مخرج ولو كان طفيفا من الازمة بل سيفاقمها.
فحديث الرئيس عن ترشيد الاستيراد وتلميحه الى منح الاولوية لاستيراد المواد الاساسية وليس السلع الكمالية للتحكم في عجز الميزان التجاري، هو خطاب سياسي وليس اقتصاديا، اذ ان وقف استيراد السلع الكمالية من عطور او مواد تجميل او سلع فاخرة يغيب عن الداعين لهذا الاجراء ان هذه السلع لم تمثل سنة 2021 الاّ 0.07 % من السلع المستوردة التي تتزود بها السوق التونسية وقيمتها المالية لا تتجاوز 160 مليون دينار، اي ان وقف الاستيراد لن يغير من عجز الميزان التجاري اطلاقا.
فعجز الميزان التجاري التونسي مصدره الاساسي هو استيراد السلع نصف المصنعة التي تستخدم في النسيج الصناعي التونسي وهي ضرورية لابقاء القطاع في حالة عمل، كما ان القسم الثاني ومصدر العجز الاكبر هو استيراد المواد الغذائية من حبوب وزيوت اضافة الى استيراد المواد الطاقية من غاز ونفط.اي بشكل ادق عجزنا التجاري لا يمكن التحكم فيه او معالجة إخلالاته ما لم تقع اعادة النظر في السياسات العمومية الخاصة بقطاع الطاقة والفلاحة.
اما وقف استيراد المواد الكمالية فلن يغير حتى النزر القليل من التوازنات المالية بل ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد التونسي، ليس من زاوية تراجع الاستهلاك. فالسوق لها قواعدها التي تحتكم اليها وأهمها أنه طالما ان هناك طلبا على البضائع والسلع فإنها ستجد طريقها الى السوق لتلبية الحاجيات الاستهلاكية.
فالاعتقاد بأن ايقاف عمليات التوريد التي ينظر اليها على انها عشوائية سيؤدى الى خفض حجم العرض مقابل بقاء الطلب على المواد مرتفعا بما سيوفر فرصة للمهربين وللناشطين في القطاع الموازي للاستفادة، اي ان الدولة ستمنح المهربين سوقا هامة للمضاربة فيها والنشاط دون ان تستفيد من العائدات المالية المتأتية من الاداءات الجمركية أو من الضريبة على القيمة المضافة.
بعبارات مختزلة واضحة، توقف الدولة عن تنظيم عملية استيراد السلع التي تنظر اليها السلطة التنفيذية اليوم على انها سلع استهلاكية كمالية سيكون الخاسر الوحيد فيه هي الدولة والمستهلك التونسي، اذ ان الدولة ستتخلى عن تنظيم عمليات الاستيراد وتحصيل الموارد المالية المتأتية من تنظيم العملية مقابل منح سوق هامة للمهربين.
ان ادارة الاقتصاد وشؤونه تحتاج الى عقل «بارد» يبحث عن اصل الازمة ليدرك مكامن الخلل وهو اساسي للمعالجة. دون ذلك لا يمكن كسر حلقة الأزمة التي باتت فيها البلاد منذ سنوات، ازمة لا يمكن ان تغادرها إلا بوضع حد للإجراءات والخيارات الشعبوية وتنطلق في عملية اصلاح تقوم على اصلاح سلاسل الانتاج في عدة قطاعات اساسية وتحسين سلة الصادرات التونسية وتنويعها ومضاعفتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115