في بداية السنة السياسية الجديدة: الواجهات المفتوحة

باستثناء نقطة الانفراج المتصلة بالإتفاقيات اّلّتي أُبرمت بين الحكومة والمركزية النقابية من جهة و بين هذه الأخيرة ومنظمة الأعراف من جهة ثانية

 بخصوص حل إشكاليات الزيادة في أجور القطاعين العام والخاص ، بقيت العديد من الواجهات مفتوحة في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية.
هذه الواجهات تلقي بظلالها على المناخ العام في البلاد و تخلق توترا لا يساعد البتة، على تجاوز الصعوبات الّتي تعيشها تونس في السنوات الأخيرة ، بسبب الظروف الداّخلية الناجمة عن أخطاء الأطراف الماسكة بالسلطة في ما انتهجته من سياسات ، وعمقتها ظروف خارجية ناجمة عن عدة نزاعات دولية و أزمات اقتصادية تكاد تكون شاملة.

فبعد السنوات العجاف الّتي عرفتها البلاد في ظل «الترويكات» المتعاقبة، اعتقدت الفئات الشعبية لبرهة، أن الأوضاع ستتغير لاعتقادها بأن ما حصل في 25 جويلية 2021 سيفتح الأبواب على مصراعيها أمام بروز روح بناءة لإنقاذ البلاد ممّا تردت فيه، و أنها ستشهد انتعاشة تخلق الراحة والطمأنينة في كل النفوس.

ولكن ما حصل كان بعيدا عن المأمول بسبب غياب الرؤية الوطنية الموحدة سياسيا واقتصاديا ، في اتجاه غاية جماعية كفيلة بإصلاح ما فسد و تدارك الأمور لتصحيح المسار و إخراج تونس من الأزمة الّتي تعيشها على مختلف الأصعدة .
غياب هذه الروح البناءة وانعدام المبادرة الخلاقة القادرة على التجاوز ، جعلا السلطة الحاكمة بقيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد وحكومته أمام عدة واجهات زادت الأوضاع تعقيدا و شتتت الاهتمامات و الجهود للخروج من عدّة مآزق تنسي الواحدة منها الأخرى .
فبدل أن يُفضي الاستفتاء على الدستور الجديد بنواقصه و بمواطن الضعف فيه إلى الإنصراف ، للبناء على الأدنى المتوفر ، و إلى تجنب ما يمكن أن يبعث على مزيد من التوتر بتحديد الأولويات و تقديم الأهم على المهم ، أصبح كل إجراء مبعثا لتوتر جديد و مصدرا لتشتيت القوى ، و حافزا على التصعيد من كل جانب.

فعلى المستوى السياسي ، شكّل التنقيح المدخل على القانون الإنتخابي قبل حوالي ثلاثة أشهر من موعد الإنتخابات ردود فعل أكثر إنتقادا و رفضا مع مزيد اتساع نطاق الرفض داخل قوى المجتمع المدني ، مما سيؤثر على القوى الصامتة ويقلّص من نطاق المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية وفي مزيد عزوف الناخبين ، لا مسايرة للأحزاب المعارضة لسعيد ، و إنما تهربا من الرجوع إلى نفس مربع «الغوغائية» الفوقية البعيدة عن اهتمامات و إنتظارات أوسع الفئات .

يتعاظم هذا النفور عندما ينعدم تحسن الأوضاع المعيشية ، و تظهر ظواهر جديدة – فيها الحقيقي و فيها المفتعل – متصلة بعدم توفر بعض الحاجيات الضرورية و ارتفاع الأسعار والمساس بالخدمات اليومية .
كل هذه العناصر تؤثر على المناخ العام وتوسع رقعة الاحتجاج على تردّي الأوضاع، وهو ما يبعد شيئا فشيئا الاهتمام بالشأن السياسي و يفقد الثقة في المتدخلين سياسيا بما في ذلك التشكيلات والأحزاب المعارضة وغير المعارضة.

زد على كل هذا ما يعيشه القضاء بعد صدور قرارات الإعفاء المتبوعة برفض تنفيذ قرارات توقيف التنفيذ و فتح إجراءات التتبع الجزائي بوتيرة بطيئة غير حاسمة تعطي لكل ذي حق حقّه . هذه الحالة عطّلت الإمضاء على حركة القضاة و اكتفاء رئيس الجمهورية بالإمضاء على الأمر المتعلّق بتعيين خريجي المعهد الأعلى للقضاء فقط في نهاية الأسبوع المنصرم ، وأكد في نفس الوقت أن «المرسوم يمنحه حقّ الاعتراض وإعادة الحركة إلى المجلس الأعلى للقضاء بناء على التقارير التي تُبرّر هذا الاعتراض، وهي تقارير تقوم على أدلة واضحة لا على قرائن مفترضة...» و هذا يعني أنه لن يمضي على الحركة الّتي تشمل القضاة المعفيين، وفي ذلك دعوة للمجلس المؤقت لإعادة النظر في الحركة المذكورة. هذا المأزق يجعل القضاء يعمل بمقتضيات التكليف للتسيير اليومي للقضايا كل حسب اجتهاده ، مع تصور ما لذلك من تأثير على الأداء وما يخلقه من تردّد ، خاصّة إذا انقسم القضاة المباشرون بخصوص التعامل مع الحالة الواقعية التي أصبحوا إزاءها . وهي حالة لها تأثير على سير القضاء وعلى عمل المشاركين في العمل القضائي، والحال أن ملفات قضايا فتحت بخصوص تسفير عدد من التونسيين إلى بؤر التوتر الإرهابية وغيرها . دون أن ننسى أعمال القضاء الّتي تعطلّت في السنة القضائية الماضية و جعلت الملفات تتكدّس ومصالح المتقاضين تتعطّل، كما أثر كل ذلك على أعمال المتدخلين في القضاء خاصة المحامين الّذي أسفر مؤتمرهم الأخير عن انتخاب العميد الجديد حاتم مزيو مع مجلس هيئة جديد أغلب أعضائه من غير مجلس الهيئة المتخلي، وهي هياكل جديدة ستكون مطالبة بمعالجة الشأن المهني وبالعمل على المساهمة في إصلاح الشأن القضائي عموما.

كل هذه الواجهات مفتوحة في نفس الوقت في ظل هاجس الإقبال على استحقاقات انتخابية ، وهناك أكثر من إنذار لظهور واجهات أخرى في التعليم الأساسي والثانوي و في قطاع النقل كل ذلك يقلّص هامش التدبير و يجعل سبل المعالجة أكثر صعوبة ، فيزداد الوضع تعقيدا ، خاصة إذا لم يقع الاهتداء إلى توفير مستلزمات العيش اليومي ، وتواصل تعطل سبل التواصل الّذي يفرز أصحاب النوايا الصادقة ،و الإرادة الجادة ، في إنقاذ البلاد من مزيد التردّي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115