أقل من شهرين عن موعد الاستفتاء: انقلاب الموازين والضغط على رئيس الجمهورية

يبدو ان الرئيس في طور فقدان اسبقيته في اللعبة السياسية التي اخضعها لنسق خطواته، فاليوم يفقد الرئيس تدريجيا قدرته على قيادة العملية السياسية

ويفسح المجال لقوى سياسية ومنظمات لتفتك من يده زمام المبادرة بعد ان احتكر الامر لأشهر عشرة.

منذ الـ25 من جويلية 2021 دفع الرئيس كل اللاعبين في المشهد التونسي الى الزاوية ليحاصرهم ويربكهم مما افقدهم القدرة على التخطيط السياسي وهذا ما جعلهم يغرقون في ردّ الفعل تجاه ما يصدر عن الرئيس.
هذا الوضع كان المستفيد منه هو الرئيس فقط، فهو نجح في سلب الفاعلين السياسيين الارض التي يقفون عليها وجعلهم في خضم مجاراة سياسته ورد الفعل ضدها دون القدرة على طرح مبادرات سياسية او التخطيط لإدارة المواجهة معه. اي ان هذا الدفع كان ناجعا ومثمرا طوال الاشهر العشرة الفارطة، غير انه اليوم ومع تطاول مدة استعمال هذه الحركة فقد فقدت عناصر قوتها خاصة مع الاقتراب من موعد الاستفتاء على الدستور الجديد.

موعد وان كانت التيارات السياسية والمنظمات تتفق في اعتبار ان المناخات المؤدية اليه غير سليمة وان الشروط الموضوعية لنجاح مساعي انقاذ البلاد لم تتوفر في ظل «تصلب موقف الرئيس» فانها تنظر اليه على انه «فرصة» لقلب المعادلة السياسية والتموقع.
هذه الفرصة تكمن في ان الرئيس هو من وضع مساره بشكل كلي كهدف مشروع لكل الفاعلين وان تباينت مواقفهم من 25 جويلية ومن الرئيس نفسه الذي حاصر نفسه بنفسه ودفع الكل بعيدا عنه، وهذا ما يعنى انه بات وحيدا دون سند سياسي او جمعياتي فعلي قادر على دعمه ان جدت تطورات سلبية او تعثر مسار الاستفتاء ناهيك عن الدفاع عنه وعن مشروعه المتمثل في الدستور الجديد.

حينذاك وبالانطلاق الفعلي في مسار الاستفتاء في 25 من جويلية القادم، سيكون الرئيس برغبة منه او دونها، كباقي اللاعبين في المشهد، فقد القدرة على التحكم الكلي في المسار وبات كالبقية يترقب القادم ليتفاعل معه ويناور ويترقب ردود الفعل وهذا يفتح هامشا كبيرا للحركة والمناورة السياسية من قبل خصومه.
هامش يبدو ان الجميع بات يدركه، ولهذا فان التحركات قد خفت نسقها واتجه الجميع الى الاستعداد للخطوات القادمة التي سيكون عنوانها «اسقاط الدستور وكامل المسار»، عبر انهج مختلفة، قضائية كما يسلكها الدستوري الحر الذي يريد ان يضاعف ضغطه على الرئاسة وكل اجهزة الدولة بالتشكيك في قانونية خطواتها والتلويح بانها ستكون محل مساءلة قضائية لاحقا.

كما ان هذه الاستراتيجية تمنح الحزب زخما في الشارع لا يعلم بعد ان كان سيتجه الى توظيفه لقيادة عملية اسقاط الدستور والتصويت بـ«لا» او التلويح بهذا للضغط على الرئاسة وجعلها تبحث عن مخرج يجنب البلاد فرضيات سيئة ان سقط مشروع الدستور الذي سيكون بمثابة تصويت بسحب الثقة من سعيد.
فالدستور ليس هو محل الاستفتاء بدرجة اولى، بالنظر الى مساره وكيفية تقديمه، بل سياسة الرئيس وكل خياراته السياسية التي انتهجها منذ 25 جويلية الفارط هي من ستكون موضع الاستفتاء لمعرفة تقييم التونسيين لها، وهنا لا يعلن الرئيس كيف سيتعامل مع نتائج الاستفتاء ان لم تكن في صالحه.
هذه الوضعية التي ينظر اليها الجميع على انها فرصة وخطر، يبحث كل طرف عن كيفية تحقيق نصر يتناغم مع فكره وتقييمه لـ»25 جويلية»، وهي ايضا ما تشغل بال الاتحاد العام التونسي للشغل بالاساس وتجعله يبحث عن مقاربة تضمن كسبا دون تهديد الدولة وتماسكها.
فالاتحاد الذي لم يخف يوما دعمه لـ25 جويلية وان تحفظ على طريقة ادارتها سيجد نفسه اليوم في وضعية دقيقة وامام حتمية اتخاذ موقف واضح وصريح، ليس من الدستور وكيفية التصويت له، بل من مرحلة ما بعد الاستفتاء وكيف ستكون.

فالبلاد اليوم على بعد اقل من شهرين عن الاستفتاء الموعود الذي لا يمكن الجزم بنتيجته في ظل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحقونة والتي ستنعكس بدورها على تصويت التونسيين لصالح مشروع الدستور الجديد او ضده/ اي التصويت لتجديد الثقة في الرئيس او بسحب الثقة بشكل غير مباشر.
هذا الوضع يقلب الموازين ويجعل الرئيس تحت ضغط مضاعف قد يدفعه الى ارتكاب اخطاء تكون «قاتلة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115