المهمّشات: بين أنظمة الاضطهاد والهيمنة وواجب المقاومة

ونحن نسترجع رمزية الثامن من مارس تخامرنا مجموعة من الأسئلة: كيف يمكن للمجموعات المضطهدة والهشّة التي فُرض عليها الصمت والتهميش والإقصاء،

أن توحّد نضالها لكسر مختلف حلقات الاضطهاد والعنف؟ كيف يمكن لهذه الفئات أن تمتلك الصوت؟ وكيف يتسنّى لها أن تُحوّل هذا الصوت إلى صوت مقاوم يتصدّى للعنف الأبوي والرأسمالي وما بعد الاستعماري والعنصري؟ وهل بإمكان من كنّ في الهامش أن يربكن التراتبيات المتعددة، بما فيها التراتبيات داخل عدد من الجمعيات النسائية والأحزاب التي تتعمّد سرقة أصوات العاملات الفلاحيات وعاملات المصانع، و«البرباشة» وغيرهن لمراكمة الربح والامتيازات داخل المركزيات المختلفة أو لتلميع صورة المترشّح للرئاسة (حملة نبيل القروي)؟
ولن نبرّئ عددا من الجامعيين/ات من مسؤولية التصرّف في واقع اللواتي يواجهن عنفا مركّبا يتقاطع فيه العنف المنزلي مع العنف الاقتصادي والعنف الاجتماعي والعنف الرمزي.فالمعرفة تمنح صاحبها/تها سلطة تجعله/ها أحيانا يتصرّف في تجارب العنف الذي يتحكّم في حيوات» الأخريات» بطريقة «فلكلورية» ترضي هوامات المانحين الغربيين وتغذّي نزعات «التفوّق الأبيض» أو يؤرشف معاناتهن وحكاياتهن اليومية ومقاومتهن للمجتمع الأبوي ومختلف المؤسسات وممثلي سياسات الدولة وغيرهم بطريقة تنمّ عن استخفاف كبير بأوجاعهن ذلك أنهنّ لا يمثلن إلاّ موضوعا للبحث والكتابة. وهو إذ يمتنع عن الاشتباك مع واقع مرير تعيشه فئة من النساء وعن فهم أسباب استمرار بنى الهيمنة يثبت أنّه منخرط في ممارسة عنف من نوع آخر يُشرعن باسم معرفة'فوقية'.
لاشكّ عندنا أنّ عددا من الجمعيات النسائية العريقة أو حديثة العهد قد غيّرت، في العشرية الأخيرة ،عن وعي أو بسبب أجندا المانحين ، تصوّراتها ورؤيتها لمختلف الفئات التي كانت على هامش المجتمع والسياسات والبحث وغيرها من الأطر، وأنّها سعت إلى الدفاع عن حقوق هذه الفئات وحماية حقّها في الحياة الكريمة. ولكن وجب أن تعترف الجمعيات ومراكز البحث ومختلف المنظّمات وكذلك الجامعيات/ين بفضل هذه الفئات المهمّشة أو الهشّة على تطوير مجال البحوث والدراسات في تونس وإثراء المكتبة بدراسات ميدانية متنوّعة ما كان بالإمكان إنجازها ولا تقديمهما في المحافل الغربية لولا قبول النساء التعاون مع الباحثات/ين ولولا حضورهن دورات التمكين الاقتصادي وغيرها من الأنشطة .

ولسنا بحاجة إلى التأكيد على دور النساء المهمّشات في لفت نظر من هنّ في مواقع السلطة إلى التحديات الجديدة التي صارت تواجهها فئات واسعة من التونسيات بعد جائحة كوفيد وتدهور المقدرة الشرائية واستشراء البطالة إذ صارت النساء مسؤولات عن إيجاد الحلول وابتكار أشكال المقاومة والتعويل على «المادة الشخمة» لديهن وأنفسهن وسواعدهن. وهكذا صارت أغلبهن المسؤولات عن إعالة الأسرة، والحال أنّهن في نظر القانون والأعراف غير معوّل عليهن لأنّهن لازلن في نظر المشرّع والمجتمع عيالات على الرجال.
وبالرغم من هذه التحوّلات الاقتصادية والسياسية وتأنيث البطالة والفقر فإنّ الاستمرار في النظر إلى المهمشّات وصاحبات الهشاشة على أنّهن موضوع الخطاب والبحث و'الاستثمار» والتوظيف لايزال متواصلا. وانطلاقا من هذا الواقع نعتقد أنّه آن الأوان لإحداث التغيير المنشود. فما دامت «صاحبات الشهادات العليا» المُعطلات أو المفقّرات، يسعين بكلّ السبل، إلى إيجاد الحلول الملائمة لكسب القوت ومقاومة واقع يصادر حقهن في العيش فإنّهن أولى من غيرهن بإنشاء الجمعيات التي تدافع عن مصالحهن من داخل منظومة القهر: تلك المنظومة القائمة على سياسات النظام الرأسمالي الليبرالي الذي يقولب الأجساد حسب انتاجيتها وأهميتها لمتطلبات السوق. وبناء على ذلك فإنّنا نذهب إلى أنّ إملاءات الصندوق الدولي بعد كثرة ديون الدولة لن تقف عند التحكم في السياسات الاقتصادية بل إنّها ستنفذ إلى عمق المجتمع وستكبد النساء خسائر كبرى.
ونحسب أنّ تغيير المواقع من امرأة مهمّشة تشكّل موضوعا للبحث إلى فاعلة تمتلك صوتها وإرادتها وسرديتها سيتيح لعدد من الجمعيات النسائية والنسوية تغيير رؤيتها لهذه الفئات المضطهدة وسيمكن أصنافا أخرى من التحرّر وتحرير «الأصوات المخنوقة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115