إلى ميدان للصراعات السياسية فذلك أمر تتجنبه الهياكل الوطنية للمحامين في كل الدول و في المنظمات والهيئات الدولية .
يجب ألاّ نخلط بين النشاط السياسي والدفاع عن الحقوق و الحريات، إذ أن النشاط السياسي المنظم يخضع لضوابط حزبية منها الالتزام بالمقرارات الحزبية والعمل على الدعاية للأحزاب ونشر مواقفها والعمل على جلب المؤيدين و الموالين . في حين أن الدفاع عن حقوق و حريات الفرد مهما كان هذا الفرد تبقى مقدسة من منظور حقوقي و قانوني و قضائي، و هي مسائل لا تخرج عن مهام المحامي ،سواء كمساعد في إقامة العدل أو كمشارك في ذلك.
من منطلقات و قراءات مختلفة (قديمة – جديدة) شهدت الأيام الأخيرة جدلا كبيرا حول إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد العميد عبدالرزاق الكيلاني يوم 2 مارس 2022 من أحد قضاة التحقيق في المحكمة العسكرية الدائمة بتونس بعد أن نسب إليه ارتكاب أفعال أُعتبرت من قبيل «الانضمام إلى تجمع من شأنه الإخلال بالرّاحة العامّة قصد التّعرّض لتنفيذ قانون أو جبر وهضم جانب موظّف عمومي بالقول والتّهديد حال مباشرته لوظيفته ومحاولة التّسبّب بالتّهديد والخزعبلات في توقّف فردي أو جماعي عن العمل ». وهي أفعال حصلت بعد وضع القيادي في حركة النهضة المحامي الأستاذ نورالدّين البحيري في نهاية شهر ديسمبر 2021 قيد الإقامة الجبرية طبق قانون الطوارئ.
ودون الخوض في اختصاص المحكمة العسكرية من عدمه ، باعتبار أن المسألة تتعلّق بتنقيح التشريع من ناحية ، ومن ناحية أخرى، يتمحور الاشكال الإشكال المطروح حاليا في أوساط المحامين والحقوقيين حول مبررات بطاقة الإيداع الّتي يصدرها قضاة التحقيق بصفة عامة، وهو أمر تطرقنا إليه في أكثر من مناسبة، ولكن بصفة خاصة نتطرق لبطاقة الإيداع الّتي صدرت ضد العميد عبد الرزاق الكيلاني.
فما ينسب للعميد الكيلاني، (صفة العميد هي صفة دائمة طبق نواميس المحاماة لكل من شرّفه المحامون بهذه الصفة ) جملة من التهم الجناحية لم تقع فيها الإحالة بحالة تلبس، وتم التعبير عن جلّها بأقوال و لم ينجم عنها أفعال خطيرة تستوجب الإيقاف لتلافي اقتراف جرائم جديدة، أو ضمانا لتنفيذ العقوبة أو طريقة توفر سلامة البحث.
لذلك يكون اجتهاد القاضي التحقيق حسب ما توفّر من معطيات في غير طريقه، وهو ما حدا ببعض أعضاء هيئة الدّفاع إلى اعتبار ذلك كان بخلفيات سياسية.
وخلافا لما يقال أحيانا بأن التعامل مع المتهمين يكون على نفس الدرجة ، فإن ذلك يبدو غير مطابق للقانون والواقع ، إذ أن شخص المتهم يختلف بين حالة و أخرى بإعتبار أن المظنون فيه أو المتهم يمكن أن يكون من ذوي السوابق أو كان مضمرا أو متعمّدا ، أو كان هناك عامل السن وكانت توجد بالملف قرائن خطيرة ....إلخ ، لذلك تكون المساواة بالمفهوم العام (الشعبوي)ليست مطلقة، و على ذلك الأساس يكون التعامل أحيانا مع بعض الملفات بأكثر مرونة ، وهذه مسائل يفترضها القانون وفقه القضاء أيضا . لذلك إفترض القانون المنظم لمهنة المحاماة الحالات التي يباشر فيها المحامي أعماله من ذلك ما يضمنه بتقاريره و ما يصدر عنه عند الترافع وأحاط ذلك بنوع من الحصانة و بإجراءات خاصة .
فالمطلوب ليس تمييز المحامي مهما كان مركزه أو مهامه عن بقية المتقاضين وإنّما ذلك يعني التقيـــّد بالقانون و بإجراءاته عندما تكون الأفعال المنسوبة إليه بمناسبة القيام بمهامه .فإذا تمّ تبرير اختصاص المحكمة العسكرية بالقانون فإن معالجة القضية إجرائيا والنظر في الملف يجب أن يكون كذلك طبق القانون و طبق روح النصوص الخاصة والعامة المنطبقة.
كل هذا يقودنا إلى إعادة القول بأن بطاقة الإيداع هي إستثناء و من البديهي الإقلاع عن اعتبار الإستثناء قاعدة، و يراعى في ذلك الجميع دون استثناء ... طبعا.