من تعنت القوى الغربية و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و كان لابد من أن يحدث شيء يهيئ لتغيير جيوسياسي على الساحة الدولية. هذه الكلمة تفسر أسباب ما أقدمت عليه روسيا في الحرب ضد أوكرانيا .
عاد بوتين إلى الحرب العالمية الأخيرة ولمّح لما دفعته دول الإتحاد السوفياتي سابقا من أجل وقف زحف النازية و كيف انتهى الأمر بقوى الحلف الأطلسي بتدرج إلى الإستئثار شيئا فشيئا بثمار تغير النظام العالمي بعد تلك الحرب ،والشروع في محاصرة روسيا بعد حل الاتحاد السوفياتي و ما تبع ذلك من تغييرات وأخطاء.
لم تكن روسيا تنظر بعين الرضا إلى عملية استدراج الناتو للدول الّتي كانت في الاتحاد ومخاتلتها بطرق شتى ،دون أن تقبل إنضمامها للحلف ،كما حصل مع أكرانيا ، التي تم إبتزازها لتكون موالية للغرب ،مستغلة ما توفره من ثروات ورغبة في توفير امتيازات عسكرية، في سياسة إنتهازية ومصلحية، مستغلة بعض الخلافات القومية في إتجاه تكريس القطيعة التدريجية بين روسيا وأشقائها.
هذه السياسة الغربية أزعجت روسيا الّتي كانت حذرة من عدم إحترام جيرانها للتعهدات بعدم تهديد مصالحها بسياسات تهدّد أمنها على مختلف حدودها، وهو ما جعلها حريصة على ألا تمسك السلطة في الدول المتاخمة لها أطراف تعاديها بأي شكل من الأشكال .
لكن ما حصل في العشريات الماضية ، زرع الخوف لدى روسيا و لدى من يقاسمها الخوف من السياسة الأمريكية الّتي أصبحت تلعب دور الشرطي في الساحة الدولية ، ولا تتوانى عن مخالفة القوانين والمعاهدات الدولية ، لتضرب حيث شاءت ، بتبريرات واهية ، فتشعل فتائل النزاعات و الحروب في العديد من الدول باستعمال قيادات موالية لها، أو بتدخل مباشر على أراض ذات سيادة مع حلفائها بغطاء «قرارات أممية» أحيانا تسببت في تدمير وتقسيم العديد من الدول.
كل هذا حصل بطرق مباشرة و بطرق غير مباشرة وذلك مثلا في يوغسلافيا والعراق و ليبيا و سوريا و اليمن بقيادة أمريكية وبمشاركة أعضاء الناتو كذلك بتدخلات مباشرة من الأعضاء المذكورين في إفريقيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما حصل لليبيا .
كما تمّ افتعال العديد من النزاعات بإختراقات وخلق كيانات تثير النعرات القبلية أو الاختلافات الدينية و النزاعات الحدودية وغيرها كما حصل ذلك بين العراق والكويت، وبين العراق و إيران و بين جنوب السودان وشماله و في اليمن و في العديد من الدول الإفرقية و ما يحصل في فلسطين وغير ذلك كثير .
هذا الدور المتعاظم و المتعنت للولايات المتحدة الأمريكية لم يرق لروسيا و الصين فقط بل كان يجد تبرّما من دول غربية حليفة وأحيانا كان يلقى معارضة منها كما حصل عند غزو العراق، و لكن لم تكن أمريكا تبالي بأي موقف مخالف لها و كانت في كل مرّة تناور وتتوصل إلى وضع الجميع أمام الأمر الواقع، واضعة مصلحتها فوق كل إعتبار.
هذه السياسة الغربية التي كانت ترافقها هواجس بارونات الأسلحة، وصلت إلى حدود روسيا و سعت إلى أن يكون لها موطن قدم على مشارف الدولة الّتي تعدّ العدو التقليدي للحلف الأطلسي والتّي أصبحت بعد تفكك الإتحاد السوفياتي هدفا للمحاصرة وللرقابة ، وقد يكون وجد هذا الحلف ضالته في أوكرونيا الّتي عبرت عن رغبتها في الانضمام إليه ، بعد أن تغيرت القيادة الّتي كانت متفهمة لمخاوف روسيا .
من هنا تحولت المخاوف الروسية إلى شيء من الذعر ، بعد أن لمست مسايرة «شقيقتها» للغرب ، لذلك لجأت إلى ضربة استباقية سريعة ، كانت مدخلا للحرب الّتي إندلعت أخيرا و إستهدفت المواقع العسكرية و العتاد و ألحقت أضرارا كبيرة في البنية التحتية وتسبّبت في سقوط العديد من الأرواح البريئة من المواطنين .
إن الحرب آلة عمياء ،لذلك تعالت الأصوات لوقفها لتجنب سقوط المزيد من الضحايا من هنا و هناك وتجنب الدمار وتجنب التبعات الإقتصادية والاجتماعية في أكثر من دولة بحكم ترابط الاقتصاد العالمي . الحل في الجلوس إلى طاولة الحوار ،و حماية مصالح كل الأطراف و دفع المجتمع الدولي إلى مراجعة سياسات الاستقواء والهيمنة ،و فرض كل ما من شأنه أن يحافظ على التوازنات الإقليمية وحماية المصالح المشتركة في كنف السلم الّذي يجب أن يشمل جميع الشعوب دون إستثناء.