مع اقتراب نهاية الشهر السابع من التدابير الاستثنائية: طريق الرئيس باتت وعرة

يسود انطباع بان المشهد السياسي الراهن مستقر على ما هو عليه، هيمنة الرئيس على مجرياته وتحديده للنسق الذي تمضى عليه الامور اضافة ليده العليا في حسم كل الخلافات التي تجمعه مع خصومه.

وبعيدا عن الانطباعية القائلة بان الامر حسم وان المشهد استقر على موازين قوى جديدة تقودنا إلى نهاية مسار بعينه وبعيدا عن صورة هيمنة الرئيس على المشهد والفعل السياسي. على الارض المشهد متحرك بسرعات مختلفة مع فاعلين بشكل مباشر او غير مباشر، من الداخل ومن الخارج.
مشهد أضحى الرئيس لا يتحكم في عناصره حتى وان ظلّ يجمع بيده كل عناصر القوة وأولها توحيده لأجهزة الدولة خلفه وجعلها تحت سلطته بعد ان انهى وجود مجلس النواب الذي افرزته انتخابات 2019 و المجلس الاعلى للقضاء. مستندا على الفصل 80 من الدستور وللأمر الرئاسي عدد117 لإعادة هيكلة السلطة وتوزيعها.

اعادة رسم للسلطة وترتيبها وفق تصور الرئيس ومشروعه. إذا كان يمنحه «صلاحيات» واسعة لرسم المشهد السياسي في تونس وتحديد نسقه. الا انه أضحى غير كاف لفرض احتكار الفعل السياسي المؤسساتي، اي فرض هيمنة الرئيس على كل مؤسسات السلطة في البلاد وجعلها منسجمة مع خيار 25 جويلية.
خيار لابد من العودة الى لحظاته الأولى. لحظة اعلان الرئيس عن عناصر سياسته وخطابه، القائمين على انقاذ البلاد من خطر يتهددها بسبب انحرافات اتتها مؤسسات السلطة، مجلس النواب وحكومة المشيشي في المرحلة الاولى والمجلس الاعلى للقضاء لاحقا.
خطاب استند الى «الشرعية الانتخابية» والى 2.7 مليون صوتا منحت المرشح قيس سعيد كرسي الرئاسة، شرعية انتخابية اضاف اليها الرئيس شرعية شعبية تضخمت بإعلانه عن التدابير الاستثنائية في وقت كانت فيه البلاد تمر بموجة وبائية حادة اسفرت عن ارتفاع عدد ضحايا فيروس الكورونا وتفاقم الازمة الاقتصادية مقابل مشهد برلماني وحكومي منفصل عن واقع التونسيين.

انفصال الطبقة السياسية عن مشاغل التونسيين انتهى الى خروج الالاف للاحتفاء بقرار اعلان التدابير الاستثنائية وهو ما منح الرئيس «مشروعية» في الداخل والخارج حالت دون ان يفقد الرئيس افضليته التي استمرت اسابيع عدة قبل ان تسجل بداية التراجع.
افضلية نظريا منحت الرئيس حيزا من الزمن للتحرك وهامشا واسعا للفعل الهادف الى وضع البلاد ومؤسساتها على سكة العودة الى الوضع الطبيعي، لكن في الممارسة اختار الرئيس اعتماد مقاربته الخاصة التي انتهت الى حل المجلس الاعلى للقضاء وإحلال مجلس وقتي مكانه.
قرار اتخذه الرئيس وقدم له اسبابه ومسوغاته ولكن هذا لم يكن كافيا لمنع التداعيات الناجمة عن مثل هذه الخطوة بعد انقضاء اشهر فقد فيها الرئيس الكثير من النقاط وعزل نفسه عن باقي المكونات الاساسية في الساحة التونسية، منظمات واحزابا ونخبا.

عزلة خفض الرئيس من تأثيرها بالاستناد الى «المشروعية الشعبية» التي رافقت لحظة الاعلان عن التدابير الاستثنائية، ولكن اليوم هذه المشروعية باتت «محدودة» في ظل ضعف المشاركة في الاستشارة الشعبية التي لم تتجاوز يوم امس بمرور نصف المدة الزمنية حاجز 190 الف مشارك. بمعدل يومي اقل من 5الاف مشارك. وهنا محدودية المشروعية لا تنعكس على كل الخطوات، بل تقف عند نقطة سحب «المشروعية» عن المسار الذي رسمه الرئيس وعن المخرجات المنتظرة منه.

في ظل هذا التعثر تأتي خطوة حل المجلس الاعلى للقضاء التي ولدت موجة من الانتقادات حملتها تصريحات صادرة عن العواصم الغربية. منها ما اعلنه ناد برايس الناطق باسم الخارجية الأمريكية في تغريدة له نشرت في حسابه الخاص بـ»تويتر» اعرب فيها « عن شعور بلاده بالقلق من قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد بحل المجلس الأعلى للقضاء. كما اعلن فيها ان الادارة الامريكية انضمت إلى «شركائها المتشابهين في التفكير» في التأكيد على أنّ القضاء المستقل هو عنصر أساسي لديمقراطية فعالة وشفافة. في اشارة الى مجموعة السبعة الكبار.

هنا الموقف الامريكي يحمل تلميحا بأن الإدارة الراهنة ستتخذ خطوات مشابهة لشركائها، والقصد هنا الخطوات التي لوح بها الاتحاد الاوروبي ومنها وقف التعاون المالي مع تونس، أي وقف منح القروض سواء لتمويل الميزانية او للقيام بمشاريع كبرى.

هذا التلويح ليس لدفع الرئيس قيس سعيد الى التراجع عن خطوة حل المجلس الاعلى للقضاء، بل لدفعه الى تعديل سياسته في المرحلة القادمة او تحمل تبعات خياراته التي باتت بشكل صريح محل انتقادات من الداخل والخارج. انتقادات توجه بالأساس الى منهجية الرئيس في اتخاذ القرار السياسي ورسم مسار العودة الى الوضع الطبيعي ورفضه لاعتماد مقاربة تشاركية لصياغة مسار سياسي يحظى بقدر من التوافق الداخلي يؤمنه من الهزات الارتدادية او من المفاجأة غير السارة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115