في الذكرى 11 لانطلاق الثورة: 17 ديسمبر والانقسام الحاد في البلاد ...

حل الـ17 من ديسمبر 2021 ومعه ترسّخ الانقسام الذي يشق التونسيين تجعلهم صفوفا عدة متداخلة ومتنافرة في ظل ازمة سياسية تطورت لتصبح

اداة لتصنيف التونسيين الى شقوق لا تكاد تجمع بينها الا العناوين العريضة والشعارات. سواء أرفعها عموم التونسيين او من نخبه التي مزقها الانقسام الى فرق وشيع فغذّت نيران الشقاق.
يوم امس وفي شارع الحبيب بورقيبة، لم تعكس تجمعات التونسيين -سوى من شاركوا في مسيرة المساندة لرئيس الجمهورية وقراراته المتتالية منذ 25 جويلية الى 13 من ديسمبر الجاري، او خرجوا للتنديد- بالرئيس وقراراته التي اعتبرت انقلابا على الدستور ووأدا للديمقراطية. وذلك يكشف عن مدى الانقسام الذي بتنا فيه.

هذا الانقسام الذي يسوقه رئيس الجمهورية على انه عملية «فرز» تاريخية بين الوطنين الصادقين ومن هم دونهم من التونسيين الذين كيلت لهم تهم واوصاف عدة في كلمات الرئيس منذ سنتين لازالوا يتعرضون للاذى في خطاباته واخرها خطاب 13 ديسمبر الجاري حيث جمع فيه كل من يختلف معه في سلة واحدة وقدمهم على انهم اعداء للشعب.

خطاب كان جمهوره الاساسي «الشعب» وفق تنظيرات الرئيس التي تنطلق من ان البلاد فريقان. شعب منكل به ومسحوق و»نخب» تنعم برغد العيش في ظل منظومة فاسدة. لكنه ومع تقدم الزمن وتواتر صدور القرارات منذ 25 جويلية الفارط اصطفّ له جزء من النخبة وصعد افراد وعناصر الى جموعها والهدف من هذا ان يجد له لدى النخب التونسية انصارا وموالين وهو ما حققه الرجل عبر المزج بين مساقين، الاول تصعيد انصاره ومشروعه الى دفة الحكم واقحامهم في مؤسسات الدولة عبر تعينات عدة، وزراء ومدريين عامين وولاة ومستشارين في الدواوين الوزارية والحكومية. أما المسار الاخر فهم التقرب من نخب باشراكها في حكومة بودن او بفتح ابواب قصر قرطاج لها لتكون من خاصته.

هنا الامر في سياق عادي وطبيعي لا يعدو الا أن يكون صراعا في ظل لعبة سياسية يريد كل طرف فيها تحقيق تقدم وكسب مساحات لتنزيل مشروعه السياسي، سواء الرئيس أو خصومه، لكن هذا الانقسام الذي تمدد كنار في الهشيم، نخر النخب التونسية فجعلها تغذيه لتستعر نيرانه اكثر مما يمهد لازمة كبرى وصدام مجتمعي.

فالنخب هنا، سواء تلك التي تنتصر لمشروع سعيد او تعارضه، وفي اطار تقديم قراءاتها ومواقفها السياسي تنزلق في خطاب يغذى العنف والكراهية بين التونسيين، وما حادث احتراق مقر حركة النهضة ومقتل احد ابنائها باضرام النار في جسده، إلا عرض اولي عن ما يضمر في الصدور من شعور قوامه الاساسي اختلافات سياسية. جعل جزء من التونسيين يغفلون عن انه ايّ كان الخصم السياسي وأيا كانت سلوكياته التي قادت البلاد لوضعها الراهن، فان الانتقال بالسياسي الى الشارع وشحنه بخطاب كراهية من الطريفين ليس إلا دقا لطبول الحرب.

فالخلاف السياسي يدار ضمن اطر ومساحات، ارتأت البشرية بعد كل تجاربها الصعبة، ان افضلها هي التي لا تنتقل فيها الامور الى انقسام حاد وقطيعة كلية بين افراد الشعب وجعله قبائل تتناحر، وليس لان الطرف الاخر اخطأ ولعب بالنار يصبح الرد بذات جنس الفعل مبرّرا.

غير اننا وللاسف في تونس نتيجة لسنوات عشر من الانحراف والانزلاق والتلاعب بمطالب الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحشر البلاد في معارك هامشية استمرت حتى مع الرئيس سعيد وإجراءاته في 25 من جويلية ما بعدها، لان يكون الانقسام الحاد واقعا تعيشه البلاد ويغذى ازماتها ويحول دون الخروج منها.

انقسام تجلى امس بشكل صريح في كيفية التعامل مع موعد 17 ديسمبر، فاليوم وفي ظل سردية الرئيس الجديدة المتعلقة بالانفجار الثوري وبداية تشكل الوعي والارادية الشعبية في تغيير المنظومة قبل ان يقع الالتفاف عليها من قبل النخب والمركز في 14 جانفي، لهذا فهو يعود للبداية وينطلق منها لتصحيح المسار فجعل من 17 /12 عيدا للثورة.سردية تهدم اخرى جعلت لـ14 جانفي رمزية مكثفة على انه يوم سقوط نظام بن علي ونجاح الثورة بفضل تبنى مطالب الشعب والجهات من قبل المركز والنخب وانخراطها فيه.
سرديات تتناحر ومعها جرت التونسيين لحرب «البسوس» لا فقط على تحديد عيد الثورة او شكل نظام الحكم، بل استحضرت كل الموروث المكتوم وغذته ليكون وقودا للفرز، المركز الهامش، الشعب والنخب الخ وهو ما وطن الانقسام بين التونسيين الذين هيمن عليهم خطاب مشحون يفرقهم دون افاق مستقبلية فعلية لعيش مشترك.

فتونس اليوم لا تعيش على وقع الاختلاف السياسي وتقبله بل تعيش في ظل محاولات صريحة ومباشرة على الحسم وانتصار فريق على اخر دون اي محاولة جدية لعقلنة العملية السياسية بهدف ضبط اطر النقاش المجتمعي وادارة الاختلاف فيه.
نحن اليوم على مشارف صراع يرغب فيه انصار كل طرف على ان يقع استئصال الاخر والقضاء على وجوده وذلك نتيجة لخطاب قاعدي يسوق الخلاف على انه معركة وجود لا خلاف سياسي يدار بالنقاش وإذا تعذر الحسم فالصندوق يفصل بعد أن تهيأ كل المناخات هيئة.
انقسام لن تقف تغذيته، الا ان عاد الجميع للعقل والبحث عن حل سياسي للازمة والاسراع بشكل مستعجل لمعالجة الملف الاقتصادي والمالي، فالبلاد تعيش على زمن خطرين داهمين احتقان اهلي وكارثة مالية، إذا انفجرا فان رياحهما لن تقف امامها اي جدران.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115