تغيير في الخطاب الرسمي التونسي وربط بين المسار السياسي والاقتصادي والمالي: انفراج للأزمة أم مناورة لتمرير الاصلاحات؟

يبدو أان الرياح قد غيرت مجراها في البلاد لتحمل معها «ادخنة بيضاء» لاحت معها بوادر انفراج، أو هكذا الظن بما حملته الساعات القليلة الماضية

من تطورات كشفتها تصريحات القائمين على البلاد، خاصة الماسكين بالملف المالي لها.

فقد أطل محافظ البنك المركزي ورئيسة الحكومة ومن بعدها وزيرة المالية، أمس واليوم السابق له ليكشفوا عن أن تونس ستصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي خلال الثلاثي الاول من السنة القادمة. كما انها ستفى بتعهداتها المالية مع الخارج وهي ليست في حاجة الى الذهاب الى نادي باريس لجدولة ديونها.
تصريحات ادلت بها نجلاء بودن رئيسة الحكومة. ومروان العباسي محافظ البنك المركزي حملت مؤشرات جديدة. تفيد بأن الملف الاقتصادي والمالي بات يحظى بأولوية لدى الفاعلين السياسيين بعد ان حشرت البلاد طوال السنوات العشر الفارط في نفق طالت اقامتها فيه بسبب تقديم السياسي على الاقتصادي والمالي.فكانت النتيجة ازمة مالية خانقة وشبح افلاس يلوح في الافق ولازال إذا تعثر مسار التفاوض مع صندوق النقد.

ما قدم خلال الساعات الفارطة من معطيات رسمية على هامش منتدى ايام المؤسسات المنعقد في مدينة سوسة، عكس الخطاب التفاؤلي لدى القائمين على الشأن المالي التونسي. خاصة إذا تعلق الامر بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي خلال الاشهر القليلة القادمة. وهو اتفاق سيمنح البلاد «مصداقية» للخروج إلى السوق المالية للاقتراض بهدف تعبئة موارد لموازنتها لسنة2022.

هذا الرهان الذي تواجهه البلاد، إما الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشرط -لا فقط- اصلاحات بل تنقية المناخات السياسية والاجتماعية في البلاد لاستيعاب هذه الاصلاحات دون ارتدادات عنيفة في الشارع تغذيها اجسام وسيطة احزاب او نقابات، او الخيار الافلاس وانهيار البلاد التي ستكون عاجزة كليا.

ومع المؤشرات السلبية التي حملتها الايام الفارطة، ومنها نقص الادوية ورسو البواخر في المناطق المكشوفة من الموانئ التونسية محملة بالآلاف الاطنان من الحبوب وقع رفض تفريغها إلا حين سداد المستحقات وغيرها من المؤشرات التي تكشف عن فداحة الوضع المالي العمومي لتونس.
وضع يبدو انه في طور التحسن لكن الخطر قائم او هذا ما لا تسوقه خطابات الماسكين بالملف المالي، وهم ايضا الذين يديرون المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وباقي الجهات المانحة. ومن بينهم محافظ البنك المركزي مروان العباسي الذي التقاه الرئيس في بداية الاسبوع الجاري.

لقاء وان حمل تصريحا من الرئيس مفاده «ان مقترحات المحافط للخروج من الازمة لن تجد طريقا للتطبيق طالما ان المحرضين على تونس يعملون ضدها» في إشارة الى خصومه السياسيين والى حملات التأثير في الدول الغربية التي يقدونها. قول ربط فيه الرئيس المسار السياسي بمسار الاصلاحات الاقتصادية والمالية ولكن بأسبقية للسياسي، اي ان الاصلاحات لا يمكن تنزيلها الا متى وقع القضاء على الفساد وخاصة منه السياسي.

هذا الربط يبدو انه ومع نهاية الاسبوع قد بلغ أوجها أخرى من النضج، ليطل الرئيس يوم الخميس الفارط في مناسبتين، ليعلن في اولهما عن الذهاب الى دستور جديد وتكليف لجنة من اساتذة القانون الدستوري بقيادة المسار الدستوري، ولاحقا تحدث في مجلس الامن القومي بخطاب هادئ بحث فيه عن خفض حدة الاحتقان السياسي وانهاء سياسة تقسيم التوسيين.

فالرئيس تحدث بشكل صريح ومباشر عن ان تونس للجميع، وان البقاء لمن له مشروع يقنع به التونسيين، وغيرها من العبارات التي تحمل بوادر تهدئة تقود البلاد الى هدنة سياسية، هي اليوم في امس الحاجة إليها لضمان نجاح مفاوضاتها مع صندوق النقد.
هدنة تلوح الدعوة اليها في هدوء الرئيس والمعجم المستخدم في كلمته لمن شاركه اجتماع مجلس الامن القومي، وهو ما قد يقودنا الى استناج ان البوصلة قد عدّلت قليلا في اتجاه تنقية المناخ لضمان «انقاذ» البلاد من الافلاس. فالكل يدرك ان شرط المانحين والمقرضيين الدوليين لتونس هو انفراج الازمة السياسية

عبر حوار وهذا غير ممكن دون هدنة تسبق تهيئة الامر وهو ما قد تتجه اليه الرئاسة ولو بطريقة خاصة التي عبر عنها اول امس كالتالي: اصلاحات دستورية تصوغها لجنة تكون منفتحة على اقتراحات تصلها من المشاركين في الحوار الافتراضي، ولاحقا يقع الذهاب الى استفتاء الشعب على دستور جديد.
هذا ما تقدمه الرئاسة ومن اجله خفضت من حدة خطابتها وانهت عملية تقسيم التونسيين الى خونة ووطنين وباتت تتبنى قولة ان «تونس للجميع» اي انها تسير حاليا الى تنقية الحياة السياسية بهدف تمرير اصلاحات اقتصادية ومالية هي شرط الزامي للدعم المالي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115